[color=red][size=24]سمعنا من هذه الروايات انهم مؤمنون لا يبالون في الله لومة لائم، ولا يشوب قلوبهم شك في ذات الله. رهبان في الليل، لا ينامون لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل، يبيتون قياماً على اطرافهم. وهم رجال عرفوا الله حق معرفته. وسنعرف أن شجاعتهم أيضاً من الأوصاف الإيمانية لديهم.
والإيمان الذي يتصف بهذه الصفات، لهو من أعظم الإيمان وأقواه. فإن حسب الإنسان المؤمن أن لا يبالي في الله لومة لائم... كما قال الله تعالى:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ..."[].
وإذا حاولنا فهم هذه الآية من زاوية التخطيط العام. كان "الَّذِينَ آمَنُوا" المخاطبون في الآية هم مؤمنو ما قبل التمحيص. وهم يصبحون بالتمحيص منقسمين إلى قسمين، قسم مرتد عن دينه نتيجة للفشل في التمحيص ولردود الفعل السيئة التي اتخذها تجاه الواقع، تلك الردود المنافية مع إيمانه والمنافرة مع الحق والهدى فأصبح التزامه لها ارتداداً كما قالت الآية.
والقسم الآخر الذي ينتجه التمحيص تدريجياً وليس فوراً، هم المؤمنون الناجحون، في التمحيص "فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ". وهؤلاء طبقاً للتخطيط العام لا يمكن أن يكونوا إلا هؤلاء الذين ذخرهم الله لنصرة المهدي ? فانظر لإهتمام الله تعالى في قرآنه الكريم بهذه المجموعة العادلة الكاملة. وهم "أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ" لشعورهم بالأخوة الإيمانية "أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ" والمنحرفين والمرتدين أجمعين ولفشلهم جميعاً في التمحيص. "يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" خلال الفتح العالمي بالعدل ومن أجل تأسيس الدولة العالمية العادلة. "وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ" مما يقع منهم من الأعمال المضرة بمصالح المنحرفين والموجبة لغيظ الكافرين وكيف وإن نجاحهم في التمحيص لم يكن إلا نتيجة لأمثال هذه التضحيات التي أدوها خلال الحياة حتى أصبح العدل والهدي هو مقصودهم فوق كل مقصود، لا يزحزحهم عنه عتب ولا تأنيب مؤنب. وإذا كان ديدنهم السابق على ذلك في عصر الفتن والإنحراف، فكيف لا يكون ذلك مسلكهم بين يدي إمامهم وقائدهم والإنجاز هدفهم الأعلى العادل الصالح.
و"ذَلِكَ" النجاح في التمحيص بأي درجة من درجاته "فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ" إنطلاقاً من إرادة نفس الفرد المؤمن لا قسراً عليه... حتى حين يجد الله تعالى في قلبه السلامة وحسن النية والإخلاص.
كما أن حسب الفرد أن لا يشوب قلبه شك في ذات الله عزّوجل, فهو يرى في كل أهدافه وأحكامه والموجودات حوله، عدلاً لا يشوبه ظلم، وصدقاً لا يشوبه كذب ومصلحة لا يشوبها مفسدة. وعلى هذا كان سلوكه في عصر التمحيص السابق على ذلك، فكيف لا يكون كذلك بعده.
كما أن حسب الفرد أن يعرف الله حق معرفته... أي كما ينبغي أن يُعرف وكما هو أهل له. وأهم فقرة في ذلك بعد الإعتقاد توحيده وعدله، هو الشعور بأهمية طاعته وعظمة شأنه، والإنصياع النفسي والسلوكي الكامل لتنفيذ أوامره وتطبيق أهدافه... وان يرى الفرد نفسه وكل ما يملك شيئاً هيناً يسيراً تجاه عظمة الله العليا. ينبغي تقديمها بكل سرور في سبيله كذلك تكون صفة هؤلاء المؤمنين.
وترتب على هذا الإيمان امران مقترنان:
الأمرالأول: شجاعتهم الموصوفة في الأخبار، وسنتعرض لها في الجهة الآتية. فإنها الحقيقة شجاعة في تنفيذ أوامر الله وتطبيق احكامه.
الأمر الثاني: عبادتهم الموصوفة في الأخبار. وتهجدهم في الأسحار... الأمران اللذان يعبر عنهما في الروايات "رهبان في الليل ليوث في النهار".[/size[/color]]