سؤال: لماذا خُصَّت البسملة بهذه الأسماء الحسنى دون غيرها؟
وجوابه: قد تحصل مما سبق وبحسب فهمي: فإنَّ المتعيَّن هو ذكرها دون غيرها, أما لفظ الجلالة فلأنه الإشارة الرئيسية للذات المقدسة تبارك وتعالى فبسم الله أي باسم الذات, فلابُدّ من ذكر الذات أولا ثم التنزل إلى عالم الأسماء.
وأمّا الرحمن: فلأنَّ رحمته وسعت كل شيء, فهو اسم واسع بسعة الله, أي: إنه أوسع الأسماء على الإطلاق, وكل اسم آخر فهو أكثر محدوديَّة منه أو مثله, ولا يمكن أن يكون أوسع منه.
فقد اختار الله سبحانه في البسملة بعد لفظ الجلالة أوسع الأسماء, مضافا إلى انه تعبير عن الرحمة لا عن النقمة ورحمته تقدمت على غضبه.
__________
(1) يعني: لماذا لم يقل العليم السميع البصير مثلاً.
وبعد هذين الاسمين العامين ذكر اسما محدودا وهو الرحيم لأنه لم يبقى إلا الأسماء المحدودة, فالرحيم لا يشمل جميع الخلق بل يشمل المحسنين فقط كما قال سبحانه:[إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ][ (1) ], واختيار اسم الرحيم من الأسماء المحدودة لمزيتين:
المزيَّة الأولى: مزيَّة الرحمة لأهميتها وتقدمها على الغضب, بل على الخُلق كله؛ لأنَّ الخُلق كله بالرحمة.
المزيَّة الثانيَّة: إنَّه أهم الأسماء في طريق التكامل, فلا تكامل إلا بالرحمة الخاصة.
هذا مضافا إلى تشاكل المادة اللفظيَّة والبلاغيَّة بين الرحمن والرحيم.
وبهذا يتضح الجواب على هذا السؤال: لماذا ذكرت هذه الأسماء بهذا الترتيب.
فإنَّه سبحانه بدأ بالاسم الدال على الذات المقدسة, ثم بأوسع الأسماء الحسنى الذي يشابه العلم في السعة والأهميَّة, ثم بالاسم الأضيق منهما هو الرحيم, وإمّا أن يقدم الصفة على الذات, أو أن يقدم الاسم الضّيق على الواسع, فهذا واضح الرداءة.
سؤال: لماذا تكررت مادة الرحمة في السورة مرتين؟.
جوابه: قال في الميزان[ (2) ], الرحمن: فعلان, صيغة مبالغة تدل على الكثرة. والرحيم فعيل, صفه مشبهة تدل على الثبات والبقاء, ولذلك ناسب الرحمن أن يدل على الرحمة الكثيرة المفاضة على المؤمن والكافر, وهو الرحمة العامة... ولذلك أيضاً ناسب الرحيم أن يدل على النعمة الدائمة, والرحمة الثابتة الباقيَّة, التي تُفاض على المؤمن.
__________
(1) سورة الاعراف: الآية 56.
(2) الميزان: ج1 ,ص18.
أقول: ينتج من ذلك عدة أمور, أهمها:
أولاً: إنَّ رحمة الله تعالى تتصف بكلا الوصفين, فهي واسعة ومنتشرة من ناحية, وثابتة ومستقرة وغير قابله للتزلزل من ناحية أخرى.
ثانيا: إنَّنا يمكن أن نلحظ هذين الاسمين مستقلين, فهو تعالى رحمن وهو أيضاً رحيم, كما هو المتبادر العرفي في سائر الأسماء الحسنى, كالغفار والشكور ونحوها.
ويمكننا أيضاً أن نركب بينهما فيكون [الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ] اسما واحدا, فنفس الرحمة واسعة وهي ثابتة فكأنهما صفتان لشيء واحد وهي مادة الرحمة.
ومعه تكون النتيجة هي تصورنا للرحمة الواسعة والثابتة وذلك على احد شكلين:
الشكل الأول: إنَّنا أن رجحنا جانب [الرَّحْمنِ] فيكون المعنى: إنَّ الرحمَة الواسعَة ثابتة وهذا صحيح.
الشكل الثاني: إنَّنا أن رجحنا [الرَّحِيمِ] فتكون الرحمة الخاصة واسعَة, وهي إن لم تكن واسعَة لكل الخلق, ولكنَّها واسعة لكل مستحقيها وطالبيها, ولكل من [سعى لها سَعيَها وهو مًؤمِنٌ][ (1) ]. فانه تعالى كريم لا بخل في ساحته.
فيتحصل: إنَّ الرحمة الخاصة واسعة وان الرحمة الواسعة ثابتة, وكلا الأمرين يتحصلان بعد التركيب.
سؤال: لماذا خصت مادة (الرحمة) بالذكر في البسملة؟.
جوابه: ظهر مما ذكرناه من حيث أن الله سبحانه اختار بعدَ لفظ الجلالة, مادة الرحمة التي هي أوسع الأسماء وأكبرها, ويكفينا هنا أن نتذكر
__________
(1) سورة الاسراء: الآية 19.
إن الخلق كله موجود بالرحمة, وإن رحمته وسعت كل شيء, وإن الرحمة هي الأساس في الكثير من الأمور التشريعيَّة والتكوينيَّة. وإن رحمته تقدمت غضبه وان النبي ( نبي الرحمة [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ][ (1) ] إلى غير ذلك من المزايا.
فالرحمة أوسع الأسماء وأكبرها, وفي مقابلها توجد أسماء من سنخين, كلاهما لا يناسب وجودها في البسملة:
الأول: أسماء الغضب كالمنتقم والقهار, ولا يناسب وجودها في البسملة مع أسماء الرحمة.
الثاني: الأسماء المختصة بموارد معينة وليست بواسعة مثل الغفار, فانه لا يشمل جميع الخلق بل يشمل المذنبين فقط. وقد اختار الله سبحانه ترك أمثال ذلك في البسملة.
مضافا إلى أن كل الأسماء متضمنة للرحمة لا محالة, وهذا من جملة تفسير قوله: [وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ][ (2) ] يعني: حتى كل الأسماء الحسنى.
إذن, فالتعرض إلى الرحمة, تعرض لكل الأسماء أو للسمة العامة لها.
فان قلت: إنَّ الرحيم ليس من الأسماء العامة الواسعة كالاسمين السابقين عليه في البسملة: [الله, الرحمن] من حيث ان الرحيم لا يشمل كل الخلق بل يختص بمستحقي الرحمة الخاصة, فكيف ناسب ذكره في البسملة؟.
قلت: جوابه: ذلك على احد مستويين:
المستوى الأول: بما ذكرنا من التركيب بين الاسمين: [الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ], فإنهما بالانضمام يكون معناها[ (3) ] واسعا, وموضوعها غير محدد بحد.
__________
(1) سورة الانبياء : الآية 107.
(2) سورة الأعراف : الآية 156.
(3) أي: الرحمة.
المستوى الثاني: إنَّ الرحمة النازلة على الخلق لها أهميَّة لا يمكن الأعراض عنها على عكس الأسماء الأخرى كالستّار والشافي والمعافي وغيرها, فان هذه لها أهميَّة دنيويَّة زائلة أما الرحيم فان له قدسيَّة زائدة على قدسيَّة الأسماء الأخرى فالرحمة الخاصة أعلى وأوسع وأنور واكبر من أن نتصورها ولا يعلمها إلا علاّم الغيوب, ومن هنا استحقت أن تكون في البسملة وتتبع الاسمين الواسعين فيها.
سؤال: ما معنى الاسم؟.
قال السيد الطباطبائي في الميزان [ (1) ]: وأما الاسم فهو اللفظ الدال على المسمى, مشتق من السمة بمعنى العلامة, أو من السمو بمعنى الرفعة. وكيف كان فالذي يعرف من اللغة والعرف انه هو اللفظ الدال, ويستلزم ذلك أن يكون غير المسمى.
أقول: وعلى ذلك يكون معنى البسملة بالدوال على الله تعالى التي هي الأسماء الحسنى إذا أخذنا الاسم بمعنى العلامة, وإذا أخذناه بمعنى الرفعة كانت البسملة تمسكاً بعلو الله وبعظمته وبسمو الله الرحمن الرحيم.
ولكن - حسب فهمي- فإن الاحتمال الأول وهو السمة هو المُرجَّح والأكثر انفهاما في البسملة, على انه يمكن أن يراد كلا الأمرين؛ لأن للقرآن بطونا فليكن هذا منها.
ويمكن ترجيح الاحتمال الأول بعدة أمور منها:
أولا: إنَّ الاسم مفرد الأسماء وبسم الله يجتمع: بأسماء الله, فهو من السمة لا السمو؛ لأن السمو لا يجمع على الأسماء, ولذا اتبع الاسم بالله الرحمن الرحيم فلو ضُمّت إلى قوله تعالى: [وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ
__________
(1) الميزان: ج1 , ص17.
[بِهَا][ (1) ], لظهر إن المراد بالاسم مفرد الأسماء, ويكون الله الرحمن الرحيم مصاديق منه, يعني: كونها مصاديق من الأسماء الحسنى المذكورة في الآية الأخرى.
والسيد الطباطبائي- ( - يفسر القرآن بالقرآن[ (2) ], ولكنَّه غفل عن ذلك. من حيث أن الآية: [وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى] تدل على أن المراد من الاسم هو السمة لا السمو.
ثانيا: إنَّ الاسم إذا كان بمعنى السمة كان لتفاصيل الأسماء الثلاثة مجال فالله يلحظ كاسم مستقل وكذلك [الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ], فكل منها له أهميته وسعته.
أما إذا كان بمعنى العظمة, أي: بعلو الذات سقطت تفاصيل هذه الأسماء الحسنى ولم يكن لها شأن, وإنما تشير إلى الذات فقط فكان الاقتصار على واحد أولى.
ولكن يمكن القول(كأطروحة):
إن الاسم بمعنى العظمة ومدخول العظمة ليست الذات بل الأسماء, أي: بعظمة هذه الأسماء وسموها بعظمة لفظ الجلالة والرحمن والرحيم, وهنا اكتسبت تفاصيل الأسماء الأهميَّة من جديد لكل منها عظمة بحياله, ولكن مع ذلك نقول: إنَّ ذلك مخالف لأذهان العرف والمتشرعة حيث يقال عادةً: إنَّ الاسم مسند إلى الذات وهذه الأسماء إنما هي دوال على الذات ولا يراد عظمة الأسماء بل عظمة الذات, فإذا كانت العَظمة عظمة الذات سقطت تفاصيل الأسماء كما قلنا.
__________
(1) سورة الاعراف : الآية 180.
(2) كما ورد في: ج 1 , ص 11.
وبالتالي ينبغي أن يكون الاسم ملحوظا بمعنى السمة؛ لتحفظ تفاصيل هذه الأسماء, مضافا إلى أن ظاهر السياق هو انحفاض تفاصيل الأسماء لا سقوطها, وإلاّ كان التعبير عن الله بأي اسم كافيا.
سؤال: لماذا ذكر الاسم مفرداً لا جمعاً؟ مع أن مدخوله ثلاثة أسماء.
جوابه: إنَّ ذلك لعدة أمور:
الأمر الأول: الذوق, فلو قال بأسماء الله الرحمن الرحيم, لانمسخ السياق القرآني.
الأمر الثاني: إنَّ المراد بالاسم: الجنس, أو اسم الجنس, وهو بمنزلة الجمع, لأنه متضمن لإفراده فيكون بمعنى الأسماء, فيكون تعدادها تفصيلا بعد إجمال.
الأمر الثالث: إنَّ المراد من الاسم مدخوله المباشر وهو لفظ الجلالة, أي: بالاسم الذي هو الله, فالاسم مفرد يراد به مدخول مفرد, وأما الرحمن الرحيم فهيَ صفتان للذات الإلهية لا ربط لهما بالاسم وإنما أضيفا بعد ورود لفظ الجلالة.
الأمر الرابع: يعرض كأطروحة قلما يلتفت إليها:
وحاصلها: إنَّ الاسم هو كل ما يدل على الشيء, وأسماء الله إنما سميت أسماء لأنها دالة عليه وعلامة عليه, ومن جملة الأمور التي لها دوال وكواشف عن وجودها نفس الأسماء الحسنى, فهيَ أسماء وهي أيضاً لها أسماء الله, أي: دوال وكواشف عن وجودها.
فنقول في هذه الأطروحة: إنَّ بسم الله أي: باسم الاسم الذي هو الله, فمدخول الاسم ليس هو الذات المقدسة بل الاسم, واسمُ اسم الله هو الرحمة
لما له من السعة والعمق كما سمعنا وعُطِفَ عليه الرحيم لمناسبته له فيكون الرحمن اسماً للفظ الجلالة ودالا عليه.
أو نقول: إن اسم الله هو المجموع المركب من [الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ].
الأمر الخامس: إنَّ الجمع المقترح هل هو محلى باللام أو بدونها؟ .
لا يقال: إن اللام لا تجتمع مع الإضافة؛ لأنه يقال: إنَّه عندئذٍ ليس مضافا إليه بل بدل, ولكنَّه على كلا التقديرين باطل.
فالمحلى بالألف واللام باطل:
أولاً: لردائته ذوقاً.
وثانياً: إنَّه تنتفي الإشارة إلى الذات وتصبح مجهول غير مشار اليها في السياق.
وان كان مع عدمها: أصبح لفظ الجلالة دالا على الذات وبقي اسمان بعده فكان الأنسب هو التثنيَّة, وهو كما ترى. أو إن المقصود اسم واحدا وهو لفظ الرحمن, أي: بسم الله الذي هو الرحمن الموصوف بالرحيم فلا موجب للجمع لأنه اسم واحد.
فان قلت: إنَّ التثنيَّة جمع في المنطق والفلسفة, وان لم تكن كذلك في النحو والبلاغة.
قلنا: إنَّ العرف لا يعتبرها جمعاً والقران إنما نُزَّل عرفياً لا دقيّاً أو فلسفياً إلاّ في وقت الحاجة فيكون التعبير عن الاثنين بالثلاثة خلاف الظاهر, مضافا إلى انه شديد الرداءة من الناحيَّة الذوقيَّة والبلاغيَّة وعلى أيِّ حال يتعين الإفراد:
فإما أن نقصد بالاسم المفرد: الجنس كما سبق فنعد مصاديق ثلاثة كلها من جنس الاسم: الله الرحمن الرحيم.][الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ].