بسم الله الرحمن الرحيم وبه تعالى نستعين
إن الأخلاق هي النور الذي يعالج الروح ويشفيها من أمراضها، كما يعالج الطب أمراض البدن، فالأخلاق العظيمة السامية ترافق الرسالة العظيمة التي حملها الرسول الأكرم (ص) إلى العالمين…
وإذا تأملنا في سيرة الرسول (ص) نجدها النموذج الأرقى لمكارم الخلاق، ولذلك يقول الرسول الأعظم (ص): (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
ويخطابه الباري سبحانه وتعالى بقوله: (وإنك على خلق عظيم). وسلك الإمام الحسين (ع) نهج جده رسول الله (ص) وأبيه علي بن أبي طالب (ع) وقد رسم نموذجاً رائعاً في المواقف الأخلاقية الخادة، لا سيما التي سجلها في واقعة الطف.. ولذلك نقول: إن تحب أقربائك ليس غريباً، وإن تحب أصدقاؤك ليس غريباً، وان تحب من يحقد عليك.. ولو باطناً ليس غريباً كذلك، فكل هذا ممكن، ولكن أن تحب عدوّك الذي يشهر السيف بوجهك ويتلهّف على قتلك ، هذا هو الحبّ العظيم الذي كان يفيض من قلب الإمام أبى عبد الله الحسين (ع).
كان الإمام الحسين (روحي له الفداء) يخرج صباح عاشوراء إلى ساحة القتال وينظر إلى عدوّه، ثم يبكي ويطيل البكاء فيظنّ الحاضرون أنه يبكي تفجعاً أوحقداً أو غربة.. بل كان الإمام (ع) يبكي لأنهم يدخلون النار بسببه، هذا الذي كان يؤلمه، ما أعظم هذه الروحية، كلها عطاء ورحمة ورأفة وانسانية.. وموقف آخر من واقعة كربلاء هو قبول الحسين توبة الحر بن يزيد الرياحي، مع أن موقف الحر هو الذي أدى بالإمام إلى الموت والأسر لأهل بيته، وكيف أن الحسين وقف في تلك الصحراء الملتهبة يسقي الماء لجيش الحر ذات ألف فارس الذي جاء لقتال الحسين.. فهذه مناقبية لا توزن بشيء، فلو عرضنا هذه المواقف للعالم لدخل العالم إلى الاسلام عن طريق المولى الحسين بن علي (ع).
لقد رسم الإمام عليه السلام لأهل بيته مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات، وأمرهم بالتحلّي بها ليكونوا قدوة لغيرهم، وتوجيه الناس إلى الحق والخير، وإبعادهم عن نزعات الشر من الاعتداء والغرور وغير ذلك كتب إليه رجل يسأله عن خير الدنيا والاخرة، فأجابه (ع): (أما بعد: فإنّ من طلب رضا الله بسخط الناس كفاه الله أمور الناس)، وقال أيضاً: (عباد الله اتقوا الله، وكونوا من الدنيا على حذر، فإن الدنيا لو بقيت لأحد أو بقي عليها أحد لكان الأنبياء أحق بالبقاء.. غير أن الله خلق الدنيا للبلاء، وخلق أهلها للفناء… فتزودوا فإن خير الزاد التقوى).
تأمل يا أخي المؤمن إلى هذا الموقف الأخلاقي للإمام الحسين (ع): (دخلت جارية من جواري الإمام (ع)، وقدمت له طاقة ريحان، فيقول لها الإمام : أنت حرة لوجه الله تعالى.
فيقول له أحدهم: جارية تجيئك بطارقة ريحان فعتقها؟!
فيقول الإمام (ع): هكذا أدّبنا لله حيث قال تعالى: (وإذ حييّتم بتحية فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها) وكان أحسن منها عتقها.
ومرة أخرى جنى غلام جناية توجب العقاب عليه، فأمر به أن يضرب فقال يا مولاي والعافين عن الناس. قال (ع): قد عفوت عنك، قال: يا مولاي، والله يحب المحسنين . قال (ع): أنت حر لوجه الله، ولك ضعف ما كنت أعطيك.