الصلاة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
توكلت على الله رب العالمين
وصلى الله على خير خلقه محمد وآله أجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا أردت أن تعرج روحك إلى خالقك وتسموا وتعلو فأنه ورد :(أن الصلاة معراج المؤمن ) فعرج بنفسك فأطلع على العالم الروحي ,وخذ لنفسك قسطا وافرا من عالم الروح والمعنى وانهل منه وتصفوا وتهفوا نفسك للحبيب والمعشوق ,وهذا لا يكون إلا بنية صافية,فأننا نعلم إن العبادات لا تصح الأبنية فصير نيتك لله وحده ولا تطلبن ر ياءا أو سمعة أو رزقا ,والمهم منها الثاني ,ولذا قيل بعم اشتراط اللفظ في النية ,بل المراد منه القلبي أو قل المعنوي ,واعلم إن نية المرء خير من عمله,وان النية باب لصحة العبادة. هذا وان الصلاة صلة العبد بربه فأن انقطعت انقطعت الصلة وان دامت دامت الصلة ,وان قبلت قبل ما سواها وان ردت رد ما سواها فلا يمكن أن تكون صلتك بخالقك مقطوعة وأنت تتقرب إليه بعبادات أخرى كالصوم أو الحج أو غيرها فقو صلتك بربك فهو الغفور الرحيم ذو الفضل العميم وان شئت إن يكون بينك وبين ربك واسطة لو صح التعبير كصلاة الجماعة فأختر من يكون ذا صلة جيدة وإلا فلا هذا وكما تعلمون فأن التعبير للصلاة من هذه الناحية قسمان : صلاة مفردة وصلاة جماعة وكلاهما صلة برب العالمين , والثانية مثل صلاة العيدين والجمعة وكنا في الصلوات اليومية وصلاة الآيات وصلاة الخوف وما إلى ذلك من الأمثلة....
وطبعا لسنا هنا بصدد عد الواجب والمستحب فلعل أكثركم يعرفها وخصوصا اليومية منها ,ومما يجب إن يعلم هو أن إعداد الصلوات اليومية المستحب ضعف الواجب منها ,وهو أن دل على شئ إنما يدل على التركيز والأهمية البالغة لهذه الصلوات فلا تتهاونوا بها بل اسعوا شيئا فشيئا إلى الالتزام بها,وخصوصا لمن يدعي انه من جيش الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف )فعلى المدعي البينة,أي إن يكون في مجتمعه غير مراء ولا طالب للدنيا متمسك وملتزم بالصلوات اليومية لأنها داخلة في موضوعنا وعموما فأنه قد ورد في النوافل اليومية بما معناه أنها تسد النقص الحاصل في الفرائض أي الصلوات اليومية الواجبة,فأن صليتها سد النقص وإلا بقيت ناقصة ,فاتقوا الله وكما تسعون للدنيا اسعوا للآخرة,وشتان بين السعيين ,وإنا لله وإنا أليه راجعون والعاقبة للمتقين.
واعلم انك إن كنت تقيا فأنه ورد :إن الصلاة قربان كل تقي ,فلا تتكبر عليها ,واعبد ربك حتى ولو أتاك اليقين ,إن لم نفسر اليقين بالموت ,فلا تستكبر عن عبادته ,بل كن خاشعا خاضعا ,الم تسمع قوله تعالى (وله من في السماوات والأرض ومن عنده لايستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون )سورة الأنبياء(19) بل اعلم إن البعض وخصوصا من أهل الباطن قد شرطوا الخشوع في الصلاة ,وما لم يكن فيها خشوع فهي وان كانت مجزية إلا إنها بالمعنى الأخلاقي أو الباطني غير مقبولة ,فأنك إن ادعيت وصولا فالوصول أن تخشع لا أن تهجع ,وهذا وقد قال تعالى في محكم كتابه العزيز :(قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون)سورة المؤمنون(1_2) وأذكركم أيضا بقوله تعالى )الم يأن للذين امنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون )سورة الحديد(16)
هذا وان في الصلاة ذكرا لله جل وعلا ,فأنك إن لم تذكره في خارجه وجب عليك ذكره فيها لو صح التعبير , ولذا قيل "إن ذكر الله اكبر" كما في الآية الشريفة التي تقول (اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله اكبر والله يعلم ما تصنعون )سورة العنكبوت(45) فلماذا أصلي فأنا اذكر الله خارج الصلاة وهذا الذكر اكبر ,قلنا :إن كان الذكر اكبر فهو موجود في الصلاة والجمع بين الذكر والصلاة أكمل وأولى بطبيعة الحال.
عموما فأن الآيات الكثيرة التي تدل على وجوب الصلاة وكذا الروايات تدل على إن التركيز عليها وإنها محبوبة لدى الشارع وهناك الكثير من الروايات التي تحث على الصلاة المستحبة وتركز عليها أيضا ,بل إن الصلاة الواحد والخمسين أي النوافل اليومية من علامات المؤمن ,ومع شديد الأسف نرى الكثير ممن التزموا بزيارة الأربعين وتختموا باليمين إلا إن جباههم بعيدة عن السجود لله في مثل هذه الصلوات ,فأنهم يحسبون إنهم يحسنون صنعا ألا ساء جهلا ومقتا ,فأنهم يفعلون ما يروق لهم ويتركون ما لايروق لهم ,وكأن لهم الخيرة في ذلك ,صحيح إنها مستحبة لكن ليس في كل مرة تختارها وفي كل مرة تترك النوافل عجبا؟اختر أحسن الفردين أن لم تستطع الجمع.
هذا وان الصلاة لها المعاني الروحية والباطنية الكبيرة ,ولعل منها بل أوضحها ,أنها تضم على عدد كبير من السجود ,ومعنى السجود كما قلنا في موارد سابقة هو الانقياد والطاعة والخضوع لله سبحانه تعالى ,وكم هي معان سامية تلك التي تربط العبد بربه.
ولا نكتفي بهذا الحد, صحيح لا يمكننا الخوض في دقائق الأمور فأني مقيد ببعض الأمور حتى تكون الخطبة مفهومة للجميع, فلذا بقي علينا التنويه لأمرين ذي صلة.
الأول :إن الصلاة وخصوصا بمعناها الأولي وهي الدعاء أو قل مطلق الذكر غير مختصة بالإنسان بل تعم الجميع ألم تسمع قوله تعالى (ألم تر إن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون )سورة النور(41) فقد خشعت الأصوات للرحمن فلا تسمعون إلا همسا ,فكل مخلوق له صلته الخاصة بخالقه جل جلاله, فقد خلق كل شئ وقدره تقديرا .
الثاني :هو أيضا ذو صلة في الصلاة ,وهو مكان المصلي ,وهذا أيضا له القدسية ولذا اشترط فيه الطهارة المعنوية والمادية وان لا يكون مغصوبا أو مكانا مبتذلا وما إلى ذلك من الشروط ,فراجع,ومن أفضل أماكن الصلاة والعبادة ,هي المساجد والمراقد المقدسة ,فلعلنا نجد إن الناس قد عزفت عن دور العبادة أنفسهم إلا في يوم الجمعة فبأس ما يفعلون فأحيوا ذكر الله وأحيوا مساجد الله إن صح التعبير ,وأحيوا الصلاة فيها بل والكثير من العبادات كالتسبيح والتعقيب والدعاء والاعتكاف وغيرها ,هذا وان الآذان في ذاته هو ذكر لله فاذكروا فيها الله كثيرا واذكروا فيها رسول الله وأهل بيته فهم صلتنا في الله وهم أئمتنا وهم حجج الباري على الخلق وأمناء الله في البلاد ,فو الله إن خير العمل هو طاعتهم ومحبتهم وهم باب العلم وكما قال الشاعر :
مطهرون نقيات ثيابهم تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا