بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم اجعل صلواتك وصلوات ملائكتك وأنبيائك ورسلك على محمد وآل محمد
إن أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين من جهة الظهور لهم مقامان:
أولهما: أنهم نور واحد وحقيقة واحدة لا تعدد فيها،كما في الزيارة الجامعة الكبيرة: (وأن أرواحكم ونوركم وطينتكم واحدة طابت وطهرت بعضها من بعض).
ثانيهما: أن النور المحمدي ظهر في أربعة عشر نورا صلوات الله عليهم. فتارة أقول: (محمد) ، وتارة أقول: (علي) ، وتارة أقول: (فاطمة) أو...الخ.
السؤال:
متى أقول: (محمد) ، ومتى أقول: (علي)؟
أو ما هو الفرق بين العرش المحمدي والكرسي العلوي؟؟
الجواب:
إن مقام رسول الله صلى الله عليه وآله هو مقام الإجمال والغيب،ومقام أمير المؤمنين صلى الله عليه مقام التفصيل والظهور.
مثلا: لو جاء شخص وقال بأنه قوي الجسم،ويزعم أنه يستطيع حمل الأشياء الثقيلة جدا!!
فطلب منه الناس أن يحمل صخرة عظيمة حتى يصدقوه.
وفعلا مد يديه إلى تلك الصخرة الصماء ورفعها إلى الأعلى،فلما رأى الناس ذلك ثبت لديهم بأن هذا الرجل صادق في كلامه.
لاحظ معي:
هذا الرجل قبل أن يرفع الصخرة فعلا كان قويا ولكن لولا حمله الصخرة لم يثبت لأحد أنه قوي.
فالمرحلة الأولى له: أنه قوي ولكن لم تظهر قوته لأحد ولم يعرفه أحد،لأن قوته مغيبة في باطنه ولم تظهر.فهذه المرحلة اسمها: (محمد) صلى الله عليه وآله.
والمرحلة الثانية: أنه أظهر قوته وأثبتها للناس برفعه تلك الصخرة،لأن قوته الآن ظهرت وتجسدت عمليا.فهذه المرحلة اسمها: (علي).
فقبل أن يحمل الصخرة هذا الرجل اسمه (محمد) لأن القوة لم تظهر للناس ولو أنها موجودة لكنها غيبا،ولما حملها صار اسمه (علي) لأن القوة ظهرت ولم تعد غيبا خافيا عن الناس.
مع أن هاتين المرحلتين في شخص واحد بلا تعدد (وأنفسنا وأنفسكم).
فكذلك الدين ما قام ولا استقام إلا بأمير المؤمنين صلوات الله عليه لماذا؟؟ لأنه مقام التفصيل ومقام الظهور.
مع أن النبي صلى الله عليه وآله أفضل وأعلى،بل جميع ما عند أبي الحسن فهو من رسول الله؛كما قال أمير المؤمنين: (أنا عبد من عبيد محمد صلى الله عليه وآله).
ورغم ذلك غلا الناس في أمير المؤمنين ولم يغال أحد في رسول الله صلى الله عليهما وآلهما!! لأن أبا الحسن مقام التفصيل والظهور.
إذن اتضح أنه لولا علي لم يعرف محمد، ولولا علي لم يظهر محمد صلى الله عليهما وآلهما،كما أنك لن تعرف المعنى إلا إذا قرأت الحروف،فمن دون الحروف كيف ستعرف المعنى الموجود في باطن الحروف،فلن تعرف المعنى المحمدي إلا بالحروف العلوية.
كما ورد في زيارة الإمام الجواد لأبيه الإمام الرضا صلى الله عليهما،في كتاب (موسوعة الإمام الجواد عليه السلام ) للسيد الحسيني القزويني ج2 ص118،و(بحار الأنوار) للعلامة المجلسي رضوان الله عليه ج99 ص54:
(السلام على حروف لا إله إلا الله في الرقوم المسطرات) فتدبر!
لأن الحروف العلوية هي وجه المعنى المحمدي،وهي بابه الذي منه يؤتى،ولهذا السبب أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله أن نأتيه من اللفظ العلوي،وبواسطة قراءتنا للفظ العلوي نعرف المعنى المحمدي (فمن أراد المدينة فليأتها من بابها).
وقد ورد في الزيارة الجامعة الصغيرة في (مفاتيح الجنان): (ومن عرفهم فقد عرف الله، ومن جهلهم فقد جهل الله...ومن تخلى منهم فقد تخلى من الله عز وجل)،لأنه قطعا من عرف اللفظ سيعرف المعنى،ومن تخلى من اللفظ العلوي لن يصل إلى المعنى المحمدي،ومن جهل عليا كيف يعرف محمدا صلى الله عليهما وآلهما؟!
وبعد هذه المقدمة ركزوا جيدا:
كما ـ مثلنا سابقا ـ أن الرجل أظهر قوته وأثبتها بحمل الصخرة،ولولا حمله للصخرة لم يصدقه أحد.
فكذلك أن النبي أقام الدين ونصره بعلي صلى الله عليهما وآلهما،ولولا علي لم يصدق أحد رسول الله صلى الله عليه وآله،لأن النبي شرح التوحيد بعلي عليه السلام،كما قال عليه السلام: (أنا وجه الله أنا لسان الله أنا يد الله أنا عين الله) كما في كتاب (بصائر الدرجات) للصفار.
وليس المقصود هنا التجسيم لله ـ نعوذ بالله ـ بل كما أنك تعرف بوجهك فإن الله يعرف بالآية الكبرى عليه السلام. وكما أنك تظهر ما في نفسك بلسانك فإن لسان الله الناطق عليه السلام هو باب مدينة العلم المظهر لغيوب السماء،وهو المنزل للفيوضات المحمدية من عالم الغيب إلى عالم الشهادة وهكذا.
فالولاية الحقيقية لله تعالى هي موجودة ولكنها لم تظهر بمحمد صلى الله عليه وآله لأن مقامه (إجمال)؛ أي كالحروف في المحبرة لم تظهر حروفا بعد على الصفحة والسطور.
لكن هذه الولاية ظهرت في علي بن أبي طالب عليه السلام،لهذا قال تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا...). فالولاية لله تعالى ولرسوله موجودة ولكن لم تظهر هناك،أما بأمير المؤمنين فقد ظهرت للخلق،ومن هنا تأسس يوم الغدير (من كنت مولاه فهذا علي مولاه،اللهم وال من والاه وعاد من عاداه،وانصر من نصره واخذل من خذله).
كما أن ولايتك على جسمك ونفسك لم تظهر في ذاتك وحقيقتك، ولم تظهر بقلبك الذي هو رئيس جسمك،ولكنها ظهرت بواسطة تحركات جسمك ،فلما حملت الصخرة ثبتت ولايتك وقوتك لجسمك وقلبك وحقيقتك ،فالجسم العلوي يوم الغدير هو الذي أثبت الولاية الإلهية المحمدية.
ولكن أرجو الانتباه:
هذه أمثلة تقريبية للتفهيم فقط وفقط،وليست جسمانية.لماذا؟؟
لأنه ربنا تعالى ليس له جسم (ليس كمثله شيء) فانتبهوا!!
وقدس الله روح الإمام الخميني حيث يقول في أحد كتبه: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين إلى يوم القيامة). فهذه اليد ليست يد علي ولا عين علي...بل هي يد الله وعين الله).
آخر فقرة نجعلها للمتعمقين عقائديا:
كيف يمكن لي أن أعرف كم شخصا حضر في المجلس؟؟
أعرف ذلك بعدد أجسام الحاضرين،فإذا رأيت جسما واحدا سأقول: حضر ضيف واحد،وإذا كان العدد أكثر فالحضور أكثر بالعدد نفسه.
وقطعا أنت لا تريد الجسم بل تريد ذات الشخص،فلست تقول: حضر جسم فلان!! بل بمجرد ترى جسمه تقول: حضر فلان.
فلولا رؤيتك لجسم فلان جالسا كيف ستعرف أنه حضر؟!
التصريح هنا (صعب مستصعب) ولكن تكفيكم الإشارة النورانية:
لولا الجسم العلوي لم نعرف الحقيقة المحمدية صلى الله عليهما وآلهما.
ومن أراد محمدا فليبدأ بعلي عليهما وآلهما أفضل الصلاة والسلام.
فعرفت أنك واحد لما رأيت جسمك (واحد)!! هل بصرك اليوم حديد؟! وهنا سر (معرفتي بالنورانية معرفة الله ومعرفة الله معرفتي بالنورانية).
وبواسطة القلم العلوي كتبت اليد المحمدية حروف الخلائق وأرواح المعاني،فظهرت الكائنات على صفحة الوجود ناطقة بتوحيد الله تعالى وبنبوة رسول الله وبالولاية العلوية.
قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: (نحن صنائع الله والخلق بعد صنائع لنا) وفي حديث آخر: صنائعنا).
فالكاتب هو الله سبحانه،واليد (محمد) والقلم (علي) صلى الله عليهما وآلهما.
منقول/ بتصرف يسير