المُقدَّم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين محمد وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين. تحية طيبة لكم مشاهدينا الكرام مشاهدي قناة الكوثر الفضائية السلام عليكم مشاهدينا الكرام، هذا موعدكم مع حلقة جديدة من برنامج مطارحات في العقيدة في حلقاته الليلية في شهر رمضان المبارك، عنوان حلقة الليلة هو: (رد نظرية إثبات الحد لله تعالى، القسم الرابع) نرحب باسمكم بضيفنا الكريم سماحة آية الله السيد كمال الحيدري، مرحباً بكم سماحة السيد.
سماحة السيد كمال الحيدري: أهلاً ومرحباً بكم.
المُقدَّم: سماحة السيد هل من خلاصة لما تقدم في الحلقة السابقة.
سماحة السيد كمال الحيدري: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
في الواقع قلنا أنه توجد في هذه المسألة أقوال ثلاثة:
القول الأول، وهو القول الذي ذكره جملة من الأعلام والعلماء وهو أن الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن لا يكون محدوداً، وذلك باعتقاد أنه لو لم يكن له حد فليس له وجود، يعني أن المحدودية تساوق الموجودية، وما لا حد له ليس بشيء، وهذا ما أشرنا إليه بالأمس.
القول الثاني: وهو القول الذي تستند إليه مدرسة أهل البيت وتبني التوحيد بمختلف درجاته على هذا الأصل، وهو أن الله سبحانه وتعالى ليس له حد، بل يستحيل أن يكون له حد، وهذه المسألة سوف تنعكس بطبيعة الحال على مسألة أو على مباحث التوحيد في الأسماء والصفات ثم على مسائل التوحيد الافعالي باصطلاح مدرسة أهل البيت التي إن شاء الله تعالى ستأتي الإشارة إلى ذلك، ثم الأبعاد الأخرى من التوحيد، يعني بعبارة أخرى أن نقطة الانطلاق في مدرسة اهل البيت في معرفة الله سبحانه وتعالى هو أن الله سبحانه وتعالى ليس محدوداً بحد، إذا اردنا أن نقف على توحيد الأسماء والصفات عند مدرسة أهل البيت فلابد أن نفهم أولاً أن الله سبحانه وتعالى ليس محدوداً بحد، ولذا يقول علي أمير المؤمنين: ليس لصفته حد محدود وذلك باعتبار أن الصفة عين الذات، فإذا كانت الذات غير محدودة فبطبيعة الحال الصفات الذاتية لا الصفات الفعلية، أنا مضطر في بعض الأحيان استعمل بعض الاصطلاحات ولعله إن شاء الله في الفرصة المناسبة سأبين ما هو المراد، ولكن بحمد الله يقيناً أن أهل الاختصاص وأهل العلم الذين يتابعون مثل هذه الحلقات يعرفون ماذا أقول جيداً. يقول علي عليه أفضل الصلاة والسلام: ليس له حد فمن وصفه فقد حده ومن حده فقد عده ومن عده فقد أبطل أزله. يعني في مرحلة التوحيد الذاتي تعتقد مدرسة أهل البيت أنه يستحيل أن يكون الله سبحانه وتعالى محدوداً وإلا لو كان محدوداً لكان معدوداً وإذا كان معدوداً فسوف يدخل عالم الأعداد يعني يمكن أن يعد، نقول هذا واحد وهذا اثنين والله سبحانه وتعالى الثالث لهما، ولعله في قوله تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) إشارة إلى هذه المسألة كما سيأتي إن شاء الله بحثه في الحلقات القادمة. إذن القول الثاني وهو القول الذي تعتقد به مدرسة أهل البيت وتبني كل المعرفة التوحيدية عليه هو أن الله سبحانه وتعالى ليس له حد على مستوى الذات وليس له حد على مستوى الصفات الذاتية من قبيل العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر ونحو ذلك من الصفات الذاتية وهذا ينطبق أيضاً على مستوى التوحيد الافعالي وهذا غير توحيد الربوبية وغير توحيد العبودية التي ذكرها الآخرون. هذا هو القول الثاني.
القول الثالث: وهو أن بعض العلماء الذين لم يستطيعوا أن يفهموا هذه الحقيقة وهذا القول أو ذاك القول، أو ما استطاعوا أن يرجحوا هذا القول على ذاك القول ذهبوا إلى مسألة التوقف وقالوا بأننا من المتوقفين، لا نقول أن الله له حد ولا نقول أن الله ليس له حد. إذن المسألة فيها أقوال ثلاثة. القول الأول ضرورة وجود الحد لله، القول الثاني استحالة وجود الحد لله، القول الثالث التوقف في المسألة.
وهذا ما أشار إليه جملة من الأعلام في هذا المجال، من أولئك الذين أشاروا إلى هذه المسألة هو الشيخ ابن تيمية في كتابه (بيان تلبيس الجهمية، ج1، ص287) تحقيق الدكتور يحيى بن محمد الهنيدي، قال: (وأما وصفه بالحد والنهاية) بودي أن المشاهد الكريم يلتفت في الحاشية يقول المحقق: (حد الشيء منتهى الشيء) إذن ما ذكره بعض الأخوة الأعزاء المتداخلين في ليلة أمس في الحلقة السابقة من أن الشيخ ابن تيمية يقول أن المراد من الحد ما يتميز به الشيء عن الآخر هذا لازم الحد لا ملزوم الحد، يعني أن الحد هو انتهاء الشيء ومنتهى الشيء وهو الامر العدمي للشيء وهو ما يمنع امتداد الشيء، لماذا حد؟ لماذا قالوا بالحد؟ حتى يميزوه عن الموجودات الأخرى ويقولون أن الخالق يباين المخلوق. إذن ليس معنى الحد هو التميز، بل لازم الحد هو التميز، وفرق كبير بين أن يكون الحد هو التميز وبين أن يكون التميز لازماً لوجود الحد لله سبحانه وتعالى. إذن ما ذكره الأخ العزيز بالأمس من أن الشيخ ابن تيمية لا يقول أن الحد بمعنى النهاية هذا خلاف ما يصرح به، في الحاشية المحقق يقول: منتهى الشيء, وهو أيضاً يقول: (وأما وصفه بالحد والنهاية) الواو عطف تفسيري يعني فسر الحد بنهاية الشيء، ثم هذا هو الذي يلزم الجسمية منه وسيأتي بحثه بعد ذلك، ولذا هو يقول: (الذي تقول أنت) يعني المعارض له (تقول أنت أنه معنى الجسم فهم فيه) يعني العلماء في مسألة أن الله له حد (فهم فيه كسائر أهل الإثبات على ثلاثة أقوال منهم من يثبت ذلك كما هو المنقول عن السلف والأئمة) يقول أنه منقول عن السلف والأئمة، إذن ما هو الإثبات يعني النهاية والحد (يقول منهم من يثبت ذلك) يعني يثبت الحد والنهاية (ومنهم من نفى ذلك) يعني ينكر أن يكون لله حد بمعنى النهاية (ومنهم من لا يتعرض له بنفي ولا إثبات) إذن توجد في المسألة أقوال ثلاثة، القول الأول إثبات الحد بمعنى النهاية، القول الثاني نفي الحد بمعنى النهاية، القول الثالث هو التوقف. وهذا أيضاً ما صرح به علم من الأعلام المعاصرين وهو الشيخ محمد بن صالح العثيمين في (شرح العقيدة السفارينية، سلسلة مؤلفات فضيلة الشيخ، رقم 17، ص237) طبع بإشراف مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية، المدار الوطني للنشر، يقول: (ولذلك اختلف كلام من تكلم به) أي في مسألة الحد (من السلف فيه هل الله يحد أو لا يحد، فمنهم من أنكر الحد وقال إنه لا يجوز أن نقول إن الله محدود بل يستحيل أن نقول أن الله محدود، ومنهم من قال يجد أن نقول أن الله محدود) يجب، لابد، كما قال الإمام الدارمي إذا لم يكن له حد فليس بشيء، (ومنهم من قال يجب أن نقول أن الله محدود وأن له حداً) الآن هنا محاولة من العلامة العثيمين هو أنه يريد أن يقول أن النزاع لفظي بين المثبتين وبين المنكرين، واقعاً هذا غريب من العثيمين لأنه كيف يمكن أن يجتمع أو يكون النزاع بين من يثبت الحد وبين من ينفي الحد يكون نزاعاً لفظياً، يعني بأنه من يقول أن الله متناه له حد يعني منتهى يعني متناه يعني محدود، كيف يعقل أن يكون النقيض مع النقيض فيه نزاع لفظي، انتهاء الشيء، محدودية الشيء يناقضها لا محدودية الشيء فهما نقيضان والنقيضان لا يمكن أن يكون بينهما نزاع لفظي. أنا أتصور من ضيق الخناق اضطر العثيمين أن يقول هذا الكلام، يقول: (ولكن يجب أن نعلم أن الخلاف يكاد يكون لفظياً) لا يا شيخنا أن النزاع ليس لفظياً بين المنكرين وبين المثبتين. طبعاً هو من القائلين بالتوقف، يقول: (فالواجب السكوت عن ذلك فلا يقال إنه يحد ولا إنه لا يحد وليس هناك ضرورة أن نقول إنه يحد أو لا يحد) فإذن هو من القائلين بالتوقف، وهذا أيضاً من غرائب الشيخ العلامة العثيمين، لماذا؟ لأنه أنا لا أعلم هو عندما كان يصور معبوده ومعروفه وهو الحق سبحانه وتعالى كان يتوهمه أو يتصوره في ذهنه عند العبادة كان يتصوره محدوداً بحد أو كان يتصوره لا حد له. لا يعقل أن يكون متوقفاً وإلا لكان جاهلاً بالله سبحانه وتعالى هذا أولاً، وثانياً واقعاً إذا كان الأئمة والسلف عرضوا لهذه المسألة أيحق له أن يتوقف فيما عرض له الأئمة والسلف هذا معناه أنه ليس تابعاً للسلف ولأئمة السلف، هذا هو المورد الثاني الذي يشير إلى أن هناك أقوال ثلاثة.
وكذلك من المعاصرين ما رأيته في تعليقة كتاب (الإيضاح في أصول الدين، ص325 في الحاشية) للزاغوني، دراسة وتحقيق عصام السيد محمود، يقول: (اختلف المتكلمون في نسبة الحد إلى الله تعالى فنفاه الأشاعرة) قالوا أن الله ليس محدوداً وليس له حد، وهذا الذي بالأمس نحن قلنا أن الأشاعرة يقولون في كل مكان ليس مرادنا أن له مكان وهو في كل مكان، لا، مرادهم أنه ليس له مكان، لأنه لو كان محدوداً لكان له مكان مخصوص، قال: (فنفاه الأشاعرة والمعتزلة) وبطبيعة الحال الإمامية أيضاً بل كثير من علماء المسلمين (فنفاه الأشاعرة والمعتزلة وغيرهم ممن قال بنفي علو الله تعالى واستوائه على العرش) هذه أتصور أنا لا أريد أن أدخل في البحث التفصيلي هذه من المغالطات، لا الأشاعرة نفوا أن الله على عرشه وأنه مستوٍ لأن هذا صريح القرآن (الرحمن على العرش استوى) وهل يعقل أن الأشاعرة ينفون ما ثبت بنص القرآن، نعم تفسير الاستواء على العرش نفوه وهو الاستقرار والجلوس والمكانية، إذن الأشاعرة لم ينفوا علو الله تعالى واستوائه على العرش، قال: (وأئمة السلف على إثباته) هنا نقول للشيخ العثيمين إذا كان أئمة السلف على إثباته كيف تكون من المتوقفين، ألست تابعاً لأئمة السلف إلا أن تقول بأني اجتهد في قبال أئمة السلف، (وأئمة السلف على إثباته وهو قول أحمد وإسحاق بن إبراهيم والدارمي وابن المبارك وغيرهم).
ثم يقول: وقول ثالث قالوا بأنه لا نحن من المتوقفين لا أن نثبت أن له حد ولا نقول أنه ليس له حد.
هذه هي الأقوال في المسألة.
المُقدَّم: هذه المسألة ما دام لم تطرح في الكتاب لماذا طرحت في كلمات القائلين بأن لله حد؟
سماحة السيد كمال الحيدري: هنا بودي أن أشير إلى أصل وبودي أن المشاهد الكريم يلتفت، في الواقع أن أصحاب الاتجاه الأول والذي عليه جملة من السلف وأئمة السلف وجملة من العلماء يقولون أن المسألة التي لم تطرح في الكتاب والسنة لا ينبغي أن نعرض لها، وعلى هذا الأساس وجدنا أن الشيخ العثيمين نحن لا ندخل في مسألة أن الله له حد أو ليس له حد، لماذا؟ باعتبار أنها لم ترد لا في الكتاب ولا في السنة، بل عندما نتابع كلمات كبار اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، هؤلاء يقولون أنه لم يؤثر منهم أنهم تكلموا في هذه المسألة وإنما هذه المسألة بدأت على يد عبد الله بن المبارك المتوفى سنة 181هـ، يعني في أواخر القرن الثاني، إذن لماذا إذن طرحت هذه المسألة في كلماتهم، طبعاً هنا لابد أن يلتفت المشاهد الكريم الواقع كذلك وهو أنه لم ترد هذه المسألة لا في الكتاب ولا في السنة ولا في كلمات كبار أصحاب رسول الله، إن شاء الله تعالى بعد ذلك سنبين يعني عندما نأتي إلى كتاب (إثبات الحد وبأنه قاعد وجالس على عرشه، ص31) للدشتي، يصرح بهذا يقول أول من عرض لهذه المسألة هو عبد الله بن المبارك، يقول: (وسأذكر في هذا المبحث بعض من وقفت على تصريحه بإثبات الحق لله تعالى وأولهم عبد الله بن المبارك المتوفى سنة 181هـ). إذن معنى ذلك أن المسألة لم تكن مطروحة قبل ذلك لا في الكتاب ولا في السنة ولا في كلمات كبار أصحاب رسول الله بل ولا في كلمات أعلام التابعين وإنما بدأت من هنا. طبعاً هذا على خلاف ما نعتقده نحن، نحن نعتقد أن أمير المؤمنين الذي هو من كبار صحابة رسول الله وفي اعتقادنا أنه إمام أئمتنا عليهم أفضل الصلاة والسلام أنه طرح هذه المسألة وإن شاء الله دليلها في الليلة القادمة، سيأتي البحث أن أمير المؤمنين عرض لهذه المسألة بشكل تفصيلي.
ومن أولئك الذين صرحوا بأن هذه المسألة لم تكن مطروحة لا في الكتاب ولا في السنة هو أيضاً الشيخ العلامة العثيمين في كتابه (شرح العقيدة السفارينية، ص236) يقول: (وكلمة الحد من الألفاظ التي لم ترد في الكتاب ولا في السنة فليس في الكتاب أن الله يحد ولا أنه لا يحد ولا في السنة أن الله يحد ولا أنه لا يحد) وإذا كان كذلك فالواجب السكوت هذا دليل العثيمين أنه لماذا توقف في المسألة (ضرورة أن نقول أنه يحد أو لا يحد ولو كان من الضروري أن نعتقد ان الله يحد أو لا يحد لبينه الله تعالى أو بينته السنة لأن الله تعالى يقول: (ونزلنا الكتاب تبياناً لكل شيء)) إذن ممن يصرح بأنه لم يرد في الكتاب ولا في السنة، العلامة العثيمين، طبعاً يكون في علم المشاهد الكريم أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً عندما اعترضوا عليه بأنه لماذا تعرضون لهذه المسألة ولم يرد فيها كتاب ولا سنة لم يقل أنه ورد فيها كتاب أو سنة، هذا المعنى بإمكان المشاهد الكريم أن يرجع إلى (بيان تلبيس الجهمية، ج3، ص42 و43) بعد أن ذكر اعتراض أولئك الذين قالوا، يعني في (ص41) قال بأنه اعترضوا أنه لم يرد في كتاب الله وقوله رسول الله أن الله له حد، لم يقل أنه ورد في الكتاب أو السنة أنه له حد وإنما ذكر - هذا الذي اشار إليه الأخ بالأمس - وإنما ذكر أنه لو لم يكن له حد لما تميز الخالق عن المخلوق، إذن هو لم يستند إلى الكتاب والسنة لطرح هذه المسألة وإنما استند إلى قضية عقلية. هذه قضية مهمة بودي أن يلتفت إليها المشاهد وبعد ذلك سأشير إلى النكتة فيها.
ومن أولئك الذين أيضاً صرحوا بهذه المسألة ما ورد في (كتاب رد الإمام الدارمي عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد، ص23، في الحاشية) تحقيق محمد حامد الفقي، نص عبارة الحاشية هذه، يقول: (كلمة الحد لم ترد في الكتاب ولا السنة ونحن لا ننسب إلى الله صفة ولا لفظ إلا ما ورد نصاً عن الله ورسوله مع أنّا لا نقول بها بالرأي ...) السؤال المطروح هنا وبودي أن المشاهد يتدبر فيما أقول. السؤال: لم يرد في كتاب الله ولم يرد في سنة رسول الله ولم ترد هذه اللفظة في كلمات كبار أصحاب رسول الله، بل في اعتقادنا ورد ما ينافيها كما في كلمات علي أمير المؤمنين وأهل بيته، سؤال: لماذا إذن هذا الإصرار من أصحاب هذا الاتجاه وهذه الضرورة لإثبات أن الله له حد وأنه رتبوا عليه بأنه نتائج خطيرة جداً؟
في الواقع هذه نكتة مركزية لابد أن يلتفت إليها المشاهد وهي أنه هؤلاء ليس كما على ألسنة بعض أتباعهم أن هؤلاء لا يتكلمون إلا ما في الكتاب والسنة، لا ليس الأمر كذلك، في المواضع التي يحتاجون فيها إلى العقل وإلى الاستدلال العقلي نجد أن يطرحون مسألة أساسها العقل والاستدلال العقلي، إذا كان الأمر كذلك إذن لماذا يعيبون على الآخرين المسائل والأبحاث العقلية التي طرحوها في مسائل العقيدة والتوحيد، هذه قضية منهجية، السؤال المطروح هنا: ما هي تلك النكتة العقلية وذاك الاضطرار العقلي الذي أدى بهؤلاء أن يقولوا بأن الله لابد أن يكون له حد وأن يكون محدوداً.
في الواقع أنا أقول في جملة واحدة الدليل الذي أدى بهؤلاء إلى أن يلتزموا بهذا اللازم أو يلتزموا بهذا الأصل وهو أن الله محدود هو حتى يميزوا بين الخالق وبين المخلوق، حتى يميزوا أي يمتاز الخالق عن خلقه حتى يتحقق التباين بين الخلق وبين الخالق. تصوراً منهم أنهم لو لم يلتزموا بأن الله له حد لما أمكن التمييز ونقع في الحلولية، إذن ما الذي أدى بهم إلى الالتزام بهذا الأمر؟ هو أنهم قالوا لو لم يكن له حد للزم الحلول للزم الامتزاج والتالي باطل فالمقدم مثله. نحن في المنطق نعبر عن هذا بأنه قياس استثنائي، يقولون لو لم يكن للحق حد ونهاية ومنتهى لكان حالاً في خلقه، والحلول في خلقه محال وممتنع عقلاً، إذن لابد أن يكون له حد، في الواقع هذا البحث في الأبحاث اللاحقة يعني غدا ًسأقف عنده هل أنه لا يوجد عندنا طريق لإثبات البينونة بين الله وبين الخلق إلا بهذا الطريق ولا طريق آخر، يعني أن الطريق منحصر في هذا، بنحو لو لم نقل بأنه محدود لما أمكن أن نتخلص من نظرية الحلولية الباطلة جزماً، وهنا أيضاً لابد أن أشير إلى أنه ما ينسب أن القائلين بوحدة الوجود من قبل الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي من أنه قائل بالحلولية هذا اشتباه وخطأ في فهمهم لنظرية محيي الدين بن عربي، لا دفاعاً عن محيي الدين وإنما إذا وفقنا في يوم أن نطرح نظرية وحدة الوجود سيتضح أن المتكلمين فيها في الأعم الأغلب لم يفهموا هذه النظرية، لا دفاعاً عن نظرية وحدة الوجود ولا قبولاً بنظريات الشيخ الأكبر محيي الدين، لست الآن بصدد هذه النقطة، ولكن لبيان أن ما نسب إليه كلام باطل، كما أنتم الآن أخواني الأعزاء أولئك الذين تدافعون عن الشيخ ابن تيمية تجدون أن الآخرين يتهمون الشيخ ابن تيمية بالتجسيم والتشبيه أنتم تدافعون وتقولون أنكم لم تفهموا كلام ابن تيمية، وإنما كلام ابن تيمية له معنى آخر، أولئك الذين يدافعون عن محيي الدين بن عربي يقولون أيضاً أنتم لم تفهموا نظرية وحدة الوجود.
أخواني الأعزاء هؤلاء تصوروا أنه لا طريق لإثبات التمايز والبينونة العزلية وأن يعزل الله عن خلقه وخلقه عن خالقه إلا بإثبات الحد لله سبحانه وتعالى. وهذا ما صرحوا به في موارد متعددة.
من تلك الموارد ما ورد في كتاب (سلسلة عقائد السلف، رقم 1، الرد على الجهمية، ص98) للإمام الدارمي المتوفى 280هـ، قدم له بدر بن عبد الله البدر، دار ابن الاثير، الكويت، يقول: (حدثنا البزاز البغدادي حدثنا علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك أنه سُئل بم نعرف ربنا) لأن قضية معرفة الله تعد أساس الدين، أول الدين (بم نعرف ربنا، قال: بأنه فوق العرش، فوق السماء السابعة على العرش بائن من خلقه، قال: قلت بحد، قال: فبأي شيء إذن) بائن، كيف نبين أنه بائن، مفصول بحد، فلهذا عندما قال له قلت بحد، قال: فبأي شيء إذن. يعني لا يوجد أي شيء آخر ولابد من حد. إن الإمام الدارمي بشكل واضح يقول إذا لم نفصله ولم نميزه بحد فلا تبقى بينونة بينه وبين خلقه.
الآن أنا همي أساتذتنا الكبار أمثال الإمام الشهيد محمد باقر الصدر كان يقول إذا أردت أن تنقد نظرية ينبغي أن تقرر وأن تبين النظرية على أحسن ما يكون من القوة، لا أنه تبينها ضعيفة حتى تشكل عليها بسرعة، أنا بودي أولاً أن أطرح النظرية نظرية القائلين بالحد أطرح طرحاً أفضل من القائلين بها وأقوى مما قالها القائلين بها، ثم بعد ذلك عندما أوجه نقداً لها لا يقول لي قائل أنت لم تقررها بشكل صحيح ودقيق وقوي فأشكلت عليها ولو قررتها بهذا النحو لكان أفضل. هذا هو الشاهد الأول على أن هؤلاء إنما التزموا بذلك لهذه القضية.
الشاهد الثاني ما ورد في (بيان تلبيس الجهمية، ج3، ص43) لابن تيمية، قال: (ويقولون) هؤلاء الذين لا يقولون بالحد، التفت جيداً ما هي مشكلته معهم، يقول: (ويقولون إنه لا يباين غيره) إذا نفوا الحد يقول لا يباين غيره، فحتى يثبت المباينة لابد أن يثبت الحد (بل إما أن يصفوه بصفة المعدوم فيقولون لا داخل العالم ولا خارج العالم) إذن غير موجود وهذا من أهم آثار الجسمية في ذهنه لأنه يتصور أن الله جسم فإما هو في داخل العالم وإما خارج العالم، فإذا لم يكن لا في داخل العالم ولا في خارج العالم إذن هو معدوم، ولم يعرف بأن الله سبحانه وتعالى ليس بجسم، فإذا لم يكن جسم فإذن لا هو داخل العالم ولا خارج العالم أن يكون في داخل العالم أو في خارج العالم إذا كان جسماً الجسم إما أن يكون داخل العالم وإما أ، يكون خارج العالم، أما من هو محيط بكل شيء لا فقط محيط بعلمه بل محيط بوجوده سبحانه وتعالى كما تعتقد مدرسة أهل البيت وهذه الإحاطة ليست هي الإحاطة الجسمية حتى تقولون أنه خارج، يعني بعبارة أخرى عندما نقول لا هو داخل العالم ولا هو خارج العالم من باب السالبة بانتفاء الموضوع لأنه ليس جزءً من العالم حتى يكون في داخل العالم أو أن يكون خارج العالم، هو خالق العالم وخالق العالم ليس كمثله شيء، هذه نظرية أهل البيت يقولون لا يماثله شيء، لا يماثله شيء، فإذا لا يماثله شيء فيستحيل أن يكون داخلاً أو أن يكون خارجاً. التفتوا إلى هذا النص عن الإمام الرضا عليه أفضل الصلاة والسلام عندما يصل إلى هذه الحقيقة يبينها بهذا البيان، هذا ما ورد في (توحيد الصدوق، ص41) للشيخ الصدوق، يقول: (ولا ديانة إلا بعد المعرفة ولا معرفة إلا بالإخلاص ولا إخلاص مع التشبيه) من شبه الله صار مشركاً لا يمكن أن يكون، هذا ليس هو الإخلاص العملي بل الإخلاص النظري المعرفي (ولا إخلاص مع التشبيه فكل ما في الخلق لا يوجد في خالقه) إذا كان الخلق له جسم فلا يمكن أن يوجد في خالقه، إذا كان الخلق له مكان يستحيل أن يكون له مكان، (فكل ما في الخلق لا يوجد في خالقه وكل ما يمكن فيه) أي في الخلق (يمتنع من صانعه) كل ما وجد في المخلوق فهو ممتنع على الحق سبحانه وتعالى. وهذا معنى (ليس كمثله شيء) لا معناه أنه جسم ولكن لا كالأجسام، جسم لا كالأجسام صار مثله شيء، الله سبحانه وتعالى صار جسماً ولكن لا كالأجسام، هذه مشكلتنا مع نظرية المجسمة أو مع الشيخ ابن تيمية أو محمد عبد الوهاب أو مع أتباع محمد بن عبد الوهاب وابن تيمية أو مع أتباع المشبهة والمجسمة، نقول أنتم تقولون جسم ومع ذلك تلقلقون بألسنتكم من غير تدبر المعنى تقولون ليس كمثله شي، إذا صار جسماً لو تضعون إلى جنبه ألف مرة لا كالأجسام لا ينفع شيئاً، صار جسماً، إذن مثله شيء، أنا جسم وهو جسم، ولكن هو جسم وأنا جسم آخر.
قال: (وكل ما يمكن فيه يمتنع من صانعه لا تجري عليه الحركة والسكون) المشاهد الكريم بالأمس قرأنا العبارة من أحمد بن حنبل في (إثبات الحد لله، ص119) للدشتي نقل عن أحمد بن حنبل قال: (يتحرك ويتكلم وينظر ويضحك ويفرح) هؤلاء كيف حلوا المشكلة؟ قالوا ضحك لا كالضحك، حركة لا كالحركة، أيضاً نفس المشكلة كيف أن مشكلة لا كالأجسام لا تحل المشكلة كذلك قولهم لا كالحركات ولا كالضحك لا يحل المشكلة. قال: (ولا تجري عليه الحركة والسكون وكيف يجري عليه ما هو أجراه على خلقه). إذن هنا عندما يقول الشيخ ابن تيمية بشكل واضح وصريح بأنه يقول: (ويقولون أنه لا يباين غيره بل إما أن يصفون بصفة المعدوم فيقولون لا داخل العالم ولا خارج العالم) نحن نقول الله لا داخل العالم ولا خارج العالم ولكن لا لأنه ليس بموجود، بل لأنه ليس بجسم والجسم إما أن يتصف بأنه داخل وإما أن خارج، هذا وصف الداخل والخارج وصف الأجسام، كما أنه نقول الجسم أما ساكن وأما متحرك، هؤلاء قالوا متحرك لا كالحركات، إذن أثبتوا له الحركة، ونحن نقول أن الله سبحانه وتعالى لا ساكن ولا متحرك، يقولون إذن معدوم، نقول: لا، هذا مقسمه موضوع الحركة والسكون هو الجسم وما لا جسم له فلا حركة ولا سكون. هذا من قبيل العدم والملكة كما يقولون يعني موضوعها الجسم، نقول هذا السائل إما ماء أو ليس بماء، إذا لم يكن ماء فقد يكون شرب، الله ماء أو ليس بماء، الجواب: لا ماء ولا لا ماء لأنه ليس بسائل حتى يتصف أنه ماء أو ليس بماء، هذه قولنا الحركة والسكون موضوعها الجسم، أنا يقين عندي أن البحث صار عميق خصوصاً على عموم الناس ولكن أهل الاختصاص وأهل الذكر وأهل المعرفة وأهل العلم الذين يتابعون البرنامج يعرفون ماذا أقول، عندما ننفي عنه الحركة والسكون لأنه ليس بجسم والحركة والسكون وصف للجسم فما ليس بجسم فلا حركة ولا سكون.
قال: (... أو يجعلوه حالاً في المخلوقات) لأنه إما يقول أن تقولوا بالحد والبينونة وإما أن تقولوا بالحيلولة، إذن هو التزم بالحد حتى يباين بنيه وبين المخلوق (فبين ابن المبارك أن الرب تعالى على عرشه مباين لخلقه منفصل عنهم وذكر الحد) لماذا؟ حتى يثبت البينونة، هذا أيضاً كلام واضح وصريح من الشيخ ابن تيمية.
وممن صرح بهذا المعنى الشيخ العثيمين في (شرح العقيدة السفارينية) قال: (فمن قال أن الله محدود أراد أنه بائن من الخلق) مع اعتذارنا، لا يا شيخنا، من قال أن الله محدود لا يريد أن يثبت البينونة، من قال أن الله محدود الحد له نهاية، لماذا؟ لإثبات البينونة لا أن معنى الحد البينونة وفرق كبير فإن اللازم شيء والملزوم شيء آخر، الأربعة ملزوم والزوجية لازم الأربعة، ولا يمكن أن نخلط الملزوم مع اللازم، البينونة أراد أنه بائن هذا ليس معنى الحد بل هذا لازم إثبات الحد.
إذن هؤلاء تصوروا أنه لا طريق لإثبات البينونة بينه وبين خلقه إلا بالحد، إذن أجيب على سؤال أخي العزيز الدكتور، لماذا طرحت هذه المسألة؟ هؤلاء تصوروا أنهم لو لم يلتزموا بأن الله له حد إذن يكون حالاً في خلقه، وحيث أنه يستحيل أن يكون حالاً لخلقه، ليس مبايناً لخلقه، إذن لابد من الالتزام بالحد.
أن الشيخ ابن تيمية في اعتقادي انتهى إلى نكتة أساسية ومن تابعوه، ولكنهم لم يتأملوا وتصوروا أن هذا الطريق منحصر، تصوروا أنه إن لم نقل بأن الله محدود بحد ومنتهى إذن لا نستطيع أن نباينه عن خلقه، يعني تصوروا إما أن نكون من الحلولية وهو أمر باطل جزماً جزماً وهذا مما لا ريب فيه، مما لا ريب فيه أن الحلولية باطلة وهذه كتب أعلام مدرسة أهل البيت سواء كانوا من الفلاسفة أو من المتكلمين أو من الفقهاء انظروا ماذا يقولون في الحلولية وأنا اصرح هنا باسمهم جميعاً أنه لا يمكن أن يلتزم أحد بأن الله حالٌ في الأشياء، ولذا أمير المؤمنين سلام الله عليه يقول في كلمة واضحة: (داخل لا بممازجة) يستحيل ان يكون ممازجاً لخلقه (وخارج عنها لا بمزايلة) وسيأتي بحث هذا وهو أن خروج الحق هل هو هذا الخروج الذي يقوله هؤلاء وهو البينونة العزلية أو البينونة الحدية كبينونة هذا الكتاب من هذا الكتاب، هذان الكتابان أحدهما بائن عن الآخر، بأي شيء يبين؟ بحده يبين هذا ينتهي وهذا ينتهي، هؤلاء عندما صوروا الحد أيضاً صوروه أن البينونة بينه وبين خلقه كالبينونة بين المخلوقات، أن البينونة بينه وبين خلقه كالبينونة بين المخلوقات، ونسوا قوله تعالى: (ليس كمثله شيء) لو كان الحق يباين مخلوقاته كما تباين الأشياء بعضها بعضاً إذن صار مثله شيء، والقرآن يقول (ليس كمثله شيء) هذه القاعدة لابد أن لا ننساها أين ما نذهب لابد أن تكون كالقرينة المتصلة العقلية معنا واللفظية أيضاً وهو أنه لا يعقل أن يشابهه شيء وأن يماثله شيء، لا في ذاته ولا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا في أي شيء مرتبط به سبحانه وتعالى، فلو قلنا يباين الأشياء كبينونة الأشياء بعضها لبعض إذن مثلها شيء.
أما قد يأتي هذا السؤال: ماذا تعتقد مدرسة أهل البيت؟ يعتقدون بالبينونة أو لا يعتقدون؟ نعم، بشكل قاطع أهل البيت يعتقدون أن بين الله وبين خلقه بينونة ومع ذلك لا يقولون أن البينونة لا تتحقق إلا بالحدية، إذن بماذا؟ قال الإمام الرضا في توحيد الصدوق: (ومباينته إياهم مفارقته إنيتهم) يعني يقول بأنه يباين هذا هذا لأن هذا وجود واجبي وهذا وجود ممكن، هذا وجود قديم وهذا وجود حادث فإذا كان كذلك فأحدهما بشكل واضح يباين الآخر وهل يعقل أن يكون القديم الواجب الغني عين الفقير الممكن الحادث، محال هذا، قال: (ومباينته إياهم مفارقته إنيتهم) هذا موضع. ثم في موضع آخر بشكل واضح وصريح يقول عليه أفضل الصلاة والسلام: (ولا في إبانته عن الخلق ضيم) يعني أنه نحن لا نخاف أن نقول أن الله يباين خلقه ولكن بماذا يباين؟ قال: (إلا بامتناع الأزلية أن يثنى) يعني أن الله يستحيل أن يكون له ثاني ولكن هم لهم ثاني إذن أحدهما غير الآخر. يستحيل أن يكون الذي يمتنع عليه الثاني أن يكون حالاً في ما يمكن له الثاني، ولذا بعد ذلك سيتضح أن مدرسة أهل البيت يقولون أن الله ليس معدود لأنه إذا صار محدوداً يكون معدوداً وإذا صار معدوداً يكون له ثاني، يتثنى، يقبل الثاني، ولذا قال عليه أفضل الصلاة والسلام: (من حده فقد عده ومن عده فقد أبطل أزله).
أعد المشاهد الكريم إن شاء الله تعالى في الليلة القادمة بإذن الله سأطرح للمشاهد الكريم، لأنه بالأمس كان أحد الأخوة من الرياض قال بأنه الآن النظرية التي نعتقد بها تزلزلت ماذا يوجد عندكم أنتم علماء مدرسة أهل البيت، غداً أقف مفصلاً عند نظرية أهل البيت في مسألة الحد ومسألة آثار ذلك.
المُقدَّم: معنا الأخ الياس من الجزائر، تفضلوا.
الأخ الياس: مساء الخير.
المُقدَّم/ سماحة السيد كمال الحيدري: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخ الياس: نشكركم على هذا البرنامج الذي أنار عقولنا، بودي أن أتوجه إلى سؤال إلى فضيلة الشيخ كمال الحيدري، فضيلة الشيخ أنت تعلم بأنه في الجزائر أن مذهبها مالكي وعقيدتها أشعرية، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم (إن الدين عند الله الإسلام) فنحن في الجزائر لم يكن هذا الإشكال مطروحاً بتاتاً حول المذاهب بين عامة الناس، فعامتنا لا يدري أنه مالكي أو شافعي أو حنبلي أو شافعي، ولكن هذا المشكل بدء يظهر في الجزائر مع وجود الفكر الوهابي، ذلك الفكر الذي أكل الأخضر واليابس في الجزائر.
المُقدَّم: معنا الأخ حمد من السعودية، تفضلوا.
الأخ حمد: السلام عليكم.
المُقدَّم/ سماحة السيد كمال الحيدري: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخ حمد: هناك نقطتين قديمتين في الحلقات السابقة أود الإشارة إليها بشكل سريع وهي تصحيح ربما نشأ عن خطأ غير مقصود وإشارة إلى كتاب (تحقيق العبودية بمعرفة الأسماء والصفات) قلت بأن كاتبه كامل الكردي، والصحيح هو أن الكاتب هو فوز كامل الكردي.
سماحة السيد كمال الحيدري: الحق معك أخي العزيز صاحب الكتاب هي الأخت فوز كامل.
الأخ حامد: النقطة الثانية وهي أنك أشرت لكتاب محمد عبد الوهاب بأنه غير مبني على التقسيم المنهجي للتوحيد حيث انه باشر بالدخول في أبواب الشرك وكذا، فسؤال طالما أن تقسيمات التوحيد وأنت أشرت لها بأنها غير مبنية على دليل، وإنما هي اجتهادات فما المشكلة في أن يجتهد هنا محمد بن عبد الوهاب بتقسيمه كما جاء في كتابه، ونقاط متعلقة بحلقة هذا اليوم، نقطة الجسمية مثلاً سواء اعتقد المسلم بأن الله جسم أو ليس له جسم، أليست هذه من المسائل الكلامية الجدلية فأي تعارض بين أن يكون لله جسم مع توحيده سبحانه تعالى، وإذا كانت كذلك أي من المسائل الكلامية فهل سيحاسب الله الخلق على أني اعتقدت أنه جسم أو لا، وعليه ما قيمة التضخيم حول هذا البحث إلا إذا كان بقصد الرد واحدة بواحدة على شطحات أهل السنة والجماعة تجاه الشيعة. نقطة الجهة لله، لو كان لله جهة بحسب الفرض فأين التعارض مع كونه قريباً، أنتم ذكرتم من قبل فكيف يكون الله قريباً ويكون في جهة، خاصة إذا علمنا أن العوالم مقسمة إلى ملك وملكوت ولاهوت، وأنه سبحانه لا شك محيط بعالم الملك وهو عالم العباد فيكون بحسب النظرية للقائل بالجسمية أنه مثلاً ذو حجم كبير بحيث يكون محيط بكل شيء وقد تكون هذه الجهة المحددة في عالم اللاهوت فقط، وهذه يمكن أن تؤيدنا بأنه يكون أما داخل وأما خارج، كأن يكون في الخارج، ما المانع من أن يكون خارج عالم الملك. نقطة الشاب الأمرد، ابن تيمية أشار في كتبه لإنكار أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى ربه مباشرة، واثبت رواية أخرى وهي بنفس الصيغة ولكن رأى ربه في المنام، رأى ربه في المنام بشكل شاب أمرد، ولا إشكال فيها حتى لنا نحن البشر حيث أن الخيال البشري يصور أي شيء، وله تأويل في كتب تفسير الأحلام المشهورة.
المُقدَّم: الأخ محمد البخاري من العراق، تفضلوا.
الأخ محمد: السلام عليكم.
المُقدَّم/ سماحة السيد كمال الحيدري: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخ محمد: عندي مداخلتان الأولى أن السيد ذكر أن مسألة الحد لم تكن ضمن منهج علمائهم لا في الكتاب وفي السنة بل هو منهج عقلي، نريد من السيد أن يبين له حكمه على المنهج العقلي في مسائل أصول الدين، ما هو حكم من يستخدم المنهج العقلي وليس النقلي في هذه المسألة ضمن الفكر السلفي، النقطة الثانية سماحة السيد عندهم كلمات في مسألة اختلاف الذات عن الصفات بالقياس على الإنسان، يعتبرون ذات الإنسان مخالفة لسمع وبصر الإنسان وهكذا، فهل يصح القياس في هذه المسألة على ذات الإنسان أو على المسائل التي تتعلق بالوجودات وقياسها على الذات الإلهية.
المُقدَّم: بالنسبة الأخ إلياس يقول نحن أصلاً لم تكن عندنا قضية المذاهب لولا الاصطدام بالفكر الوهابي كما سماه.
سماحة السيد كمال الحيدري: هذه ليست فقط مقولة الأخ من الجزائر، بل كثير من الذين تداخلوا في هذا البرنامج قالوا أنه عندما جاءوا هؤلاء الذين يدعون أنهم أتباع ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وأنا كما قلت شعرت من البعض لا يستحسن أن نسميهم الوهابية بل اسميهم أتباع محمد عبد الوهاب وأتباع ابن تيمية يقول: عندما دخل هؤلاء بدأت عندنا قضايا الشرك والكفر والتفسيق وإلا قبل ذلك نحن لا نعرف هذه الأمور، والآن مع الأسف الشديد أنتم تجدون هذه الظاهرة إلى الآن قائمة، يعني واقعاً يتعاملون مع جميع المسلمين بمنطق واحد اذهبوا إلى المدينة، اذهبوا إلى مكة، اذهبوا إلى البقاع المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة تجدون بأن هذا المنطق إلى الآن حاكم، يعني في الفضائيات يقولون شيء ولكن عندما تأتي إلى الواقع الخارجي تجد أنهم يتهمون جميع المسلمين بالشرك وهم لا يعرفون أن هذا شيعي أو أن هذا مالكي أو أن هذا أشعري ولكنه بمجرد أن يختلف معهم في بعض المفردات الفرعية الصغيرة يتهمونه.
افترضوا أسلم معكم على مبانيكم هذا نحو من الشرك، فهو على مبناه ليس شركاً وحتى لو كان على مبناه شرك، طريقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تكون بهذا الأسلوب (ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) لا بمنطق أنك مشرك وأنك فاسق وأنك كافر.
المُقدَّم: الأخ حمد من السعودية سؤاله الأول بالنسبة للشيخ محمد عبد الوهاب.
سماحة السيد كمال الحيدري: الجواب أنا لا أقول أن فيه إشكال وإنما أقول أن الكتب التوحيدية لابد أن يكون لها منهج فهو إن كان موافقاً على منهج شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية كان ينبغي أن ينظم الكتاب على ذلك المنهج وإن لم يكن موافقاً على ذلك المنهج وله منهج خاص به كان ينبغي من الناحية العلمية والمنهجية في صفحة واحدة أو صفحتين يقول منهجي يختلف مع شيخ الإسلام ابن تيمية ومع الأعلام والسلف وهذا منهجي أولاً وثانياً وثالثاً، ولكن مع الأسف الشديد عندما ندخل إلى الكتاب لا نجد فيه أي منهجاً وإنما نجد حالة من الكشكولية وحالة من التداخل وحالة من عدم الوضوح في الرؤية في مسائل التوحيد، واقعاً أنا أنصح أولئك الذين يريدون أن يحققوا أن يرجعوا إلى هذا الكتاب وهو كتاب التوحيد والذي لعله له عشرات شروح وتعليقات لينظروا أنه ما هو المنهج الذي سار عليه الشيخ فليدلونا على المنهج الذي سار عليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب في طرح هذه المسائل، ليس المنهج الذي يقوم على أساس التقسيم الثلاثي فليكن له منهج آخر، ولكن الكتاب في عقيدتي ليس له منهج بل هو حالة من الكشكولية وتداخل المسائل وسبب ذلك أن مسائل التوحيد لم تكن واضحة في ذهنه كما ينبغي.
المُقدَّم: قضية أن الله جسم أو ليس بجسم لا تتعارض.
سماحة السيد كمال الحيدري: لا، يتعارض كاملاً، لو قلت أن الله سبحانه وتعالى جاهل وليس بعالم، يوم القيامة أنت عبدت الله أو لم تعبد الله، لو فرضنا أنك انتهيت إلى ان الله جاهل، وأن الله عاجز، فهل عرفت الله أو جهلته، فإذن عبادتك تكون لمجهول، فعبادتك لا قيمة لها، نحن نعتقد أنه من اعتقد أن الله جسم فقد جهله، يقول الإمام الرضا عليه أفضل الصلاة والسلام: (ولا إياه عنى من شبهه) يعني عندما يخاطب غيره لم يعنِ الله سبحانه وتعالى (ولا له تذلل من بعضه) يعني أنت عندما تتذلل في العبادة، إذا قلت أنه جسم إذن يتبعض على أبعاض، إلى يمين والى يسار، إلى أعلى وإلى أسفل (ولا له تذلل من بعضه ولا إياه أراد من توهمه) الذي جنابك تتوهمه جسم كبير يحيط خارج عن العالم يحيط، إذا كان الأمر كذلك وكان جسماً كبيراً إذن يكون بعض الأشياء قريبة منه وبعضها بعيدة عنه، مع أن منطق القرآن يقول (وإذا سألك عبادي عني فأني قريب) يعني لو أن شخصاً في شمال الكرة الأرضية وشخص آخر في جنوب الكرة الأرضية دعا الله الله قريب منهما معاً على حد سواء، فإذا كان جسماً فلا يعقل أن يكون قريباً منهما معاً بل يكون قريباً من أحدهما وبعيداً عن الآخر. لأن الجسمين أحدهما بعيد عن الآخر. إذن لوازم كثيرة وهنا تأتي مسألة معرفة الله، وقولك أن الله يسألنا، نعم، أول شيء يسألنا عن هو أن يسألنا عن معرفته، أول الدين معرفته، قبل أن يسألنا عن الصلاة وعن الحج وعن العبادات وعن الصوم وعن قراءة القرآن وغيرها.
أما ما قلته من أن هذا ردة فعل. لا يا أخي، أنا أتصور بأنكم عرفتم مستوى هذه الأبحاث وأنها قائمة على أساس علمي عالٍ وأنتم سمعتم بالأمس أن شيخ من شيوخكم الكبار الأجلاء قال بأنه أجد نقداً في هذا البرنامج قل نظريه في مكان آخر، وأجد تمحيص وعرض للأقوال حتى لا توجد في كلماتكم ومواقعكم وكتبكم، أخواني الأعزاء أنا أريدكم واقعاً لا تتصورا أن هذه القناة وهذا البرنامج كالبرامج الأخرى التي فيها بُعد إعلامي أو تهريجي أو بُعد تسقيطي اتهامي، لا والله، الأصل الذي نعتمده في هذه الأبحاث هو أصل البحث العلمي والنقاش العلمي والنقد العلمي وأنت وجدت أنك تكلمت كل أسألتك بلا أي مقاطعة وبلا أي مداخلة وبلا أي إشكال.
المُقدَّم: أما قضية الشاب الأمرد أن ابن تيمية انكر هذا.
سماحة السيد كمال الحيدري: نحن نقول أنتم عندما يخرج بعضكم ممن يسمون أنفسهم أهل العلم وهم واقعاً إلى الجهل أقرب منه إلى العلم، عندما يقولون بأنه لم يصححه أحد، نقول: لا، أن الشيخ ابن تيمية صحح هذه الرواية. أنتم تقولون أنكرها، لا أعلم، واقعاً هذه حسنة من حسنات ابن تيمية أنه أنكرها، ولكنكم تدعون أن الله يُرى يوم القيامة إذن لابد أن يكون له ولابد أن يكون شكل ولابد أن يكون له، وهنا أيضاً مدرسة أهل البيت تختلف معكم في هذا الأمر. يوم غداً سأقف عند نظرية أهل البيت في الحد وما يقولونه في هذه المسألة.
المُقدَّم: شكراً لكم سماحة آية الله السيد كمال الحيدري، شكراً لكم مشاهدينا الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.