(6)
المادة الأولى : يولد الناس ويظلون أحراراً ومتساوين ف يالحقوق، لا تمييز بينهم ولا تفاضل، إلاّ فيما تقتضيه المصلحة العامة. إن التأكيد على الحرية والتساوي في الحقوق في صدر هذه المادة منقول عن كتاب (روسو)، مما يدل على ان واضعي المادة كانوا متأيرين به. أما بالنسبة إلى عدم التفاضل بين المواطنين إلا فيما تقتضيه المصلحة العامة، فالمصلحة العامة تقتضي تقديرم البرجوازيين على من دونهم من العمال والفرحين، لأن الطبقة البرجوازية وحدها هي التي كانت تتمتع بالثقافة والوعي السياسي، ومن ثم تستطيع إدارة دفة الحكم في البلاد، ومن هنا نعرف أو واضعي هذا الإعلان انما يعنون بالمصلحة العامة، المصلحة البرجوازية، من حيث يعلمون أو لا يعلمون .
أما بالنسبة إلى رأي الإسلام فيما إحتوته هذه المادة، فينبغي أولاً ان نقسمها إلى أقسام ثلاثة:
ينص القسم الأول على الحرية، وينص القسم الثان يعلى التساوي بين المواطنين ، وينص القسم الثالث على أن التساوي يقف عندما لا تقتضبه المصلحة العامة . وذلك ليتيسر لنا أن ننظر إلى رأي افسلام بوضوح في كل قسم من هذه الأقسام.
أما قولهم (يولد الناس ويظلون أحرارا)) فالحرية هنا مجملة يمكن ان يراد بها حرية التصرف وابداء الراي ويمكن اي يراد بها الحرية في مقابل مل كالإنسان للإنسان . والاحتمال الأول وان كان مرجحاً إلا انه من المحتمل انهم يريدون بالحرية تلك الحرية النائية من الولادة، وليست تلك الحرية الا إمتلاك ما كان في قبال ملك الانسان للانسان.
أما حرية التصرف وإبداء الرأي، فالإسلام انما يقرها في حدود معينة. مستقاة من وجهة نظره الخاصة ، ولم يكن من الممكن ان يبيح الحرية المطلقة الخارجة من كل قيد وشرط ، لما يترتب عليها من التفسخ والفساد واضمحلال الأخلاق وإعتداء الإنسان على الإنسان ، كما أن سائر القوانين لم تجز هذه الحرية بمعناها المطلق، بل وضعتها في حدود معينة مستاة من وجهة نظرها وفلسفتها الخاصة.
وإذا كان لا بد من تقييد الحرية المطلقة لأجل حفظ النظام وإستتباب الأمن وسيادة القانون. فالمشرع الحاذق هو الذي يضع الحدود عليها بأحسن شكل، يمكن به تجنب مساويها، وليس هو المشرع الذي يضع أقل كمية من الحدود، وكذلك فعل الإسلام في تشريعه الحكيم لمجتمعات العالم فالإسلام ذلك الدين القيم الذي أنزل إلى البشر ليخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى الصراط المستقيم. قد وضع الحدود على الحرية بشكل يمنع الانسان من الفساد، ويترهه عن الموبقات، ويسمو به في درجات العدالة والكمال. فهو انما يبيحها في حدود من تعاليمه الدينية والواجبات الاخلاقية، وعدم الإعتداء على حقوق الآخرين. وسوف نستوفي البحث حول سائر جهات الموضوع عند تكرر التأكيد على الحرية في هذا الإعلان، وخاصة في المادة الرابعة والحادية عشر منه . إنشاء الله تعالى.
أما رأي الإسلام في الأرقاء والعبيد، فهو باب متشعب الأطراف يمكن ان نلخص منه شيئاً لنعرف كيف ان الإسلام وان أجاز الرق إلا أنه حث على العتق كثيراً، وأوجبه في بعض الأحيان ، ولم يعترف بالرق إلا في الحالات التي يكون فيها الإسترقاق أفضل الحلول.
فالدستور الإسلامي لم يجز استعباد الفرد إلا لأحد سببين أولهما إذا وقع اسيراً بيد الجيش الإسلامي الفاتح، واختار الحاكم الشرعي إستعباده من أحد خصال ثلاث، فإنه امّا ان يطلق الأسير، وامّا ان يفتديه، وامّا ان يستعبده، وليس له أن يقتله على الإطلاق والحاكم الشرعي، وهو الإمام العصوم المتره عن الخطأ والزلل، أمين الله في أرضه وحجته على عباده، لن يختار إلاّ ما فيه صالح المسلمين والأسرى ، فإن رأى من صالحهم أن يستعبده إستعبده، وإلاّ أطلقه أو إفتداه.
والسبب الثاني للإسترقاق وهو أن يولد الفرد من أبوين مملوكين لم يتحرر منهما شيء، فإن ولد المولود من أبوين وكان أحدهما حراً إن المولود يتبع أشرف النسبين وهو الحرية.
اما طرق الإسلام إلى العتق فهي كثيرة، نذكر منها على وجه الاختصار:
1- المكاتبة : وهو ان يعاقد السيد عبده على انه اذا جاءه بكمية معينة من المال في مدة معينة فهو حر.
2- التدبير : وهو أن يقول المولى لعبده أنت حر بعد وفاتي، فيتحرر بعد وفاته.
3- يتحرر العبد إذا نكل به مولاه، او اذا اقعد او اصيب بالجذام أو العمى.
4- يتحرر العبد، اذا اشتراه ابنه، او ابنته، او احد ابويه، او احد اجداده، أو أحفاده، فان الشخص لا يملك – في شريعة الاسلام – اولاده وإن نزلوا، ولا آباءه وإن علوا.
5- تتحرر الجارية إذا أصبحت ام ولد، فان الولد يكون حراً، لأنه يتبع اشرف الشجرتين، ثم هو يرث امه بعد وفاة ابيه ، فتنعتق من نصيبه من الإرث ، لانه لا يملك امه. وهي في اثناء حياة سيدها يحرم بيعها، لانها متشبثة بالحرية.
6- وهناك عدة المحرمات الإسلامية التي اذا ارتكبها لافرد فإنه يجب ان يعتق عبداً كفارة له عن عصيانه لأوامر الإسلام كالظهار، وقتل الخطأ ، وافطار يوم من شهر رمضان.
وهناك فوق ذلك كله هذا النداء العام الذي وجهة الإسلام إلى الناس لعتق أرقائهم ولارحمة بهم، وما وضع عليه من الثواب العظيم والحصول على رضاء الله (عزوجل) الذي هو الهدف الأعلى لكل مسلم في إسلامه. قال نبينا صلى اله عليه وآله(( من أعتق مؤمناً، أعتق الله العزيز الجبار، بكل عضو من عضوا من النار))(1) وقال أيضاً (صلى الهل عليه وآله وسلم) : ((من اعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار))(2).
ومن هنها يتبين ان الإسلام دين حرية للعبيد وليس دين رق ولا استعباد كما يريد ان يؤكد عليه المغرضون من دعاة الالحاد.
أما بالنسبة إلى مبدأ تساوي المواطنين بالحقوق والواجبات فهو مما أكد عليه الإسلام ونزل به القرآن، قال اله (عزوجل) : في كتابه الحكيم ((من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله وليا
________________
(1) تهذي الأحكام ج8ص216
(2) عوالي اللآلي ج3ص421
ولا نصيرا، ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو انثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا))(1) فالمواطنون سواسية أمام القانون الإسلامي الخالد، يجزي كلا منهم بإحسانه وبذنوبه عقاباً من دوم تمييز ولا تفضيل.
بل إن الاسلام بنظره الثاقب وعدالته المستقيمة ليذهب في المساواى إلى أبعد من ذلك. فالحاكم كما يجب أن يطبق القانون على المواطنين بالسوية وبدون أي تمييز، فإنه أيضاً يجب عليه ان يخضع نفسه وخاصة أهله وأصدقائه ، فضلاً عن سائر معارفه ومتعلقيه، للقانون نفسه، فيخضع الظالم منهم للمظلوم من غيرهم، وإلا كان ظالما مجحفاً بحق الآخرين. وذلك كما قال سيدنا وملانا أمير المؤمنين وسيد الوصيين (عليه الصلاة والسلام) في عهده لمالك الاشتر النخعي عندما ولاه مصر: ((أنصف الناس من نفسك ومن خاصة أهلك وم لك فيه هوى من رعيتك، فإنك غلا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجته، وكان لله حرباً حتى ينزع أو يتوب))(2).
بل أن رئيس الدولة الإسلامية خاضع إلى قانون المساواة ، المساواة اما العدالة والمساواة في الحالة ألإقتصادية ، بل انه أولى من سائر الشعب
______________________
(1) النساء آية (123 – 124)
(2) نهج البلاغة ص428
بذلك وأجدر، لأنه مثل أعلى للشعب من ناحية فيجب أن يتعلمون منه الخصال الحميدة العالية، وهو من ناحية اخرى رئيس للدولة، فيجب ان يشعر مثل هذ1 الشخص بآمال وآلام شعبه، ويعيش حالته الإقتصادية كأقل فرد في الشعب لئلا ينسى حالة الفقراء والمعوزين والمظلومين، ولئلا تبطره النعمة فيستسلم إلى عالم الأحلام. ولقد كان سيد الأوصياء أمير المؤمني (عليه السلام) مثلاً رائعاً في ذلك حين نراه يقول : (( ولو شئت لاهتديت الطريق إلىمصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ، ونسائج هذا القز. ولكن هيهات ان يغلبني هواي ويودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز او اليمامة من لا طمع له في القرص، و لاعهد له بالشبع، أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى واكباد حرى، او أكون كما قال القائل :
وحسبك داء ان تبيت ببطنه وحولك اكباد تحن إلى القد
أاقنع من نفسي بأن يقال هذا امير المؤمنين، و لا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أ:ون أسوة لهم في جشوبة العيش))(1).
السلام عليك يا سيدي ومولاي يا امير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، لقد ضربت بكلماتك السامية مثلاً إسلامياً رائعاً في العدالة والمساواة، وعرفت
_________________________
(1) نهج البلاغة ص418
البشر كيف يجب ان يعيشوا، وكيف يجب ان يسلكوا حتى يحيوا متحابين متآلفين تسودهم العدالة، ويرفرف فوق رؤوسهم الرفاه والسلام.
اما بالنسبة إلى إيقاف المساواة بين المواطنين عند معارضتها بالمصلحة العام، فهو أمر صحيح بالنسبة إلى الإسلام في حدود معينة. فإن الاسلام الذي نشر تعاليمه لأجل المصلحة العامة، ولاجل ان يرقى بالبشر إلى الكمال، ليقدم الشخص الكفوء الذي يخدم شعبه ووطنه ودينه ويصلح للادارة وتصريف الأمور على الشخص الخامل الفاسق، فإن ذلك داخل في الحقيقة ضم المصلحة العامة، وغ، كان يظهر بمظهر تقديم الفرد. ولكننا يجب أن نفهم أولاً من هو الفرد الكفوء بحسب وجهة النظر الإسلامية لنحكم ما إذا كان تقديمه موافقاً حقا للمصلحة العامة أو لا.
أن الفرد الكفوء في الإسلام ليس هو الرجوازي الطامع في إكتساب المال، المندفع وراء مصالحة وأهوائه، بل إن معايير الكمال في الفرد المسلم هي العلم والتقوى والجهاد، قال اله (عزوجل) في كتابه العزيز ((هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون))(1) وقال : ((ان العاقبة للمتقين))(2) وقال : (( وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيما))(3) . كل هذه الأمور صفات نفسية روحية عالية ، وهي اولى
___________________
(1) الزمر آية (39).
(2) هود آية (49).
(3) النساء آية (95)
بأن تسعى بصاحبها نحو الكمال من الصفات المادية الرخيصة، من الطمع في العرض الزائل، والتكالب على المتاع الدنيء. وهو إلى جانب ذلك يأخذ حصافة الرأي ، ودقة النظر، والقدره على الإرادة وغيرها من الصفات في جملة المميزات للموظف في الدولة الإسلامية. ومثل هذا الموظف يستحق التقديم، ويكون – بالتأكيد – تقديمه في الصالح الحقيقي للشعب ، بخلاف تقديم البرجوازي الطامع في توسيع أملاكه والظالم للعمال والفلاحين.