وردت الشفاعة في القران الكريم في مواضع متعددة والسنة الشريفة بما لا يحصى ولم يرد تحديد من الشرع فيها فيستفاد انها في الاسلام هي نفس ما عليه في العرف والاجتماع الانساني الا ان اثرها الكبير يظهر في يوم القيامة وليس لها في هذه الدنيا ذلك الاثر الكبير, ولكن نسبة الشفاعة الى الله عز وجل تكون على نحوين:
الاول:توسط الاسباب بينه تعالى وبين غيره فانه عز وجل المبدا والمنتهى واليه يرجع الامر كله وهو المالك للخلق على الاطلاق والرب لهم وله من الصفات العليا الحسنى والقيومية العظمى التي يدبر بها خلقه.وبينه تعالى وبين خلقه المحتاج اليه اسباب عادية وعلل وجودية ووسائط كثيرة فانه ابى ان يجري الامور الا باسبابها فتكون مجاري اعمال قدرته مثل مجاري الطبيعة والتكوين.
واطلاق الشفاعة على هذا النوع من السببية صحيح ولا مانع منه عقلا , بل يستفادذلك من قوله تعالى(انّ ربكم الله الذي خلق السموات والارض في سبعة ايام ثمّ استوى على العرش ما من شفيع (الامن بعد اذنه)(يونس-3)حيث اورد الشفاعة بعد خلق السموات والارض والتدبير لهما,فلا تكون الا في امور التكوين , ويستفاد من الاية ان الشفاعة بهذا المعنى هي من جملة تدبير الخلق وتنظيم النظام الاحسن الربوبي, ويؤيد ذلك ايضا قوله تعالى:(له ما في السموات والارض من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه)(البقرة-256)فهذه هي الشفاعة التكوينية أي توسيط العلل والاسباب الوجودية بين مسبب الاسباب وخالق الارض والسماء وبين خلقه المفتقر اليه.
الثاني:الشفاعة لديه تعالى بمعنى رفع العقاب عن عباده العاصين او زيادة الثواب لعباده المطيعين , فان الله تعالى ارسل مبشرين ومنذرين مبّلغين صادعين بالحق وانزل معهم الكتاب المشتمل على الاحكام التشريعية الراجعة الى مصالح العباد ووضع الثواب للمطيعين والعقاب على العاصين واقام الحجة في العباد واتمها عليهم(ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة)(الانفال-42)ولكنه تعالى رافة بخلقه ورحمة بعباده جعل الشفاعة لنفسه, وهو من شؤون رحمته المطلقة التي وسعت كل شيء, وهذه هي الشفاعة في الجعل والتشريع.
وبعد كون اصل الشفاعة بيده وتحت استيلائه وقدرته,له تبارك وتعالى ان يجعلها لمن يشاء من خلقه ويريد وفق الحكمة البالغة والعلم الاتم, وتدل على ذلك جملة من الايات الشريفة قال تعالى:(يومئذ لا تنفع الشفاعة الا من اذن له الرحمن ورضي له قولا)(طه-109),وقال تعالى:(لا تغني شفاعتهم شيئا الا من بعد ان ياذن الله لمن يشاء ويرضى)(النجم-26),واطلاق قوله تعالى:(ولايشفعون الا لمن ارتضى)(الانبياء-28), يدل انه لابد في الشفاعة من اذنه في المشفوع له والشفيع.وقال تعالى (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة الا من شهد بالحق وهم يعلمون)(الزخرف-86).
والمستفاد من جميع ذلك : ان الشفاعة بجميع جهاتها وخصوصياتها لا بد ان تكون تحت اختياره وارادته كما تدل على ذلك القاعدة العقلية ايضا, فالشفاعة على نحو ما تقدم مطابقة للعقل والشرع والعرف, فمن انكرها بهذا المعنى انما ينكر امرا وجدانيا يعترف به بجنانه وينكره بلسانه