هم رهبان الليل، من خشية الله مشفقون. فيهم رجال لا ينامون الليل لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل، يبيتون قياماً على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم.
إن العبادة - بمعناها الخاص - صفة واضحة الدلالة على الإيمان، وكلما ازداد الإيمان ازدادت العبادة، فالفرد من هؤلاء، لا يبالي بتعب النهار والجهد والجهاد الذي بذله فيه. ولن يمنعه ذلك من العبادة في الليل والتوجه إلى الرب العظيم بمزيد الصلاة والدعاء والتسبيح، واستمداد العون منه والنصر. إنه الرب العظيم الذي يستقطب جهود الفرد في الليل والنهار.
إلا أن العبادة على هذا الشكل، مختصة ببعض أصحاب الإمام المهدي ? وليست عامة لهم أجمعين: "فيهم رجال لا ينامون..." فإن الفرد منهم لو خلي وطبعه، لتهجد بالليل وتعبد، وقد كان على ذلك سلوكه قبل الظهور، قبل أن يمارس الجهاد. ولكنه الآن بيذل الطاقة الكبيرة خلال الجهاد نهاراً، ويحتاج إلى تجديد طاقة أخرى للغد، إذن، فينبغي أن يستريح في الليل بعض الشيء. ومن هنا لم يكن الكل ليُقبلوا على عبادة الليل، بل كان ذلك صفة البعض منهم.
وإذ سوف نعرف في مستقبل هذا الفصل أن الشجاعة ظاهرة عامة لكل الجيش المهدوي، ففي الإمكان أن نعرض هذه الأطروحة بوضوح: أن الخاصة المخلصين بالدرجة العليا، هم الذين يقومون بالجهاد والعبادة معاً... فهم رهبان الليل وليوث النهار. وأما سائر الجيش فهم يقومون بالجهاد الواجب عليهم في الشريعة العادلة الكاملة، ومن أجل اتعابهم يتركون المستحب وهو التهجد في الليل. ولا يناسب تعبهم البدني ودرجة وعيهم الديني أن يجدوا النشاط الكافي للجمع بين العبادة والجهاد.
ومن هنا ينقسم أصحاب الإمام المهدي ? إلى قسمين: متهجدين وغير متهجدين. كما انقسم أصحاب رسول الله ? كذلك، كما قال الله تعالى:
"إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ..."[].
والذين مع النبي ? يومذاك، هم جماعة المسلمين قبل الهجرة، فلم يكونوا كلهم متهجدين. وإنما كان النبي ? مع طائفة منهم متهجداً... بالرغم من أنهم جميعاً كانوا على مستوى الشجاعة في تحمل أذى قريش واضطهادهم للمسلمين، كذلك سيكون الإمام المهدي ? مع طائفة من أصحابه متهجداً، بالرغم من أنهم جميعاً على مستوى الشجاعة في تحمل الجهاد وفتح العالم بالعدل، لا تأخذهم في الله لومة لائم.