عصمة آدم(عليه السلام)
*إن حديث الشجرة المنهي عنها اقوى ما تمسك به المخالفون للعصمه المجوزون صدور المعصيه من الرسل والانبياء
*ان حديث الشجرة ورد على وجه التفصيل في صور ثلاثه نذكر منها ما يتعلق بمورد البحث:
قال سبحانه((وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين*فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر ومتاع الى حين *فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم))البقره(35-37)
*ويقول سبحانه ((ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين*فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن عذه الشجره الا ان تكونا ملكين او تكونا من الخالدين*وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين* فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين*قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين*قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر ومتاع الى حين )الاعراف(19 -24)
*ويقول سبحانه (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما*وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس أبى *فقلنا يا أدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى*إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى* وأنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى *فوسوس إليه الشيطان قال يا ادم هل أدُلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى*فأكلا منها فبدت لهما سواتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى ادم ربه فغوى*ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى*قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) طه(115-123)
*هذه السور الثلاث قد احتوت على مهمات هذه القصه فينبغي علينا توضيح ما ورد فيها من الجمل و الكلمات التي تعتبر مثارا للتساؤلات الاتية :ـ
1/ما هي نوعية النهي في قوله تعالى (لاتقربا) ؟
2/ما هوالمراد من وسوسة الشيطان لادم وزوجته ؟
3/ماذا يراد من قوله (فازلهما الشيطان )؟
4/ماذا يراد من قوله (فعصى ادم ربه فغوى ) وهل العصيان والغواية يلازمان المعصية المصطلحه ؟
5/ما معنى اعتراف ادم بظلمه في قوله (ربنا ظلمنا انفسنا )؟
6/ماذا يراد في قوله سبحانه (فتلقى ادم من ربه كلمات فتاب عليه)؟
7/ما معنى قوله (وان لم تغفر لنا وترحمنا)
1ـما هي نوعية النهي في قوله تعالى (لا تقربا):ـ
ان النهي يقسم الى قسمين :ـ
هو ان الامر قد ينطلق في امره ونهيه من موقع المولوية والسلطة ،متخذا لنفسه موقف الامر الواجب طاعته فيأمر بما يجب ان يطاع ،كما انه ينهى عما يجب ان يجتنب فعند ذلك يترتب الثواب على الطاعه والعقاب على المخالفه وقد ينطلق في ذلك من موقع النصح والارشاد والعظة والهداية من دون ان يتخذ لنفسه موقف الامر الواجب طاعته بل يتخذ لنفس موقف الناصح المشفق القاصد لإسعاد المخاطب وانجائه من الشقاء،وعند ذلك يترك انتخاب احد الناجين للمخاطب ذاكر له ما يترتب على نفس العمل من اثار خاصه من دون ان تترتب على ذات المخالفه اية تبعه ولتوضيح ذلك نآتي بمثال:
ان الطبيب اذاوصف دواء للمريض وامره بتناول ذلك الدواء والاجتناب عن امور اخرى فلو قام المريض بالطاعه والامتثال تترتب عليه الصحه و العافيه وان خالف امر الطبيب لم يترتب على تلك المخالفه سوى المضاعفات المترتبة على نفس العمل لذلك لان الطبيب لم يكتب له تلك الوصفه الا بما انه طبيب ناصح ومعالج ومشفق
*وقيل ذلك ما اذا قال سبحانه (اطيعوا الله واطيعوا الرسول) بعد ماأمر الناس بواجبات ونهى عن امور فلو خالف المكلف وترك الواجب كالصلاة والصوم وارتكب المنهيات كالكذب والغيبه فقد خالف عندئذ امرين:
*الامر بالصلاة والصوم
*الامر بالطاعة لله وللرسول
فلا يترتب على تينك المخالفتين سوى عقاب واحد لا عقابان وذلك لان الامر الثاني لم يكن امر مولويا بل كان امرا ارشاديا لايترتب على مخالفته سوى ما يترتب على مخالفة الامر الاول وذلك لان المفروض ان الامر لم يتخذ لنفسه عند الامر باطاعة الله ورسوله موقف الامر الواجب الطاعه بل امر بلباس النصح والارشاد واذا عرفنا ذلك نقول :ان مخالفة النهي عن الشجره انما تعد معصيه بالمعنى المصطلح اذا كان النهي مولويا صادرا عنه سبحانه على الوجه المولوية لا أمرا إرشاديا واردا بصورة النصح والقرائن الموجوده في الايات تشهد بانه ارشادي واليك هذه القرائن :
1/لو كان النهي عن الشجره نهيا مولويا يجب ان يرتفع اثره بعد التوبه والانابه مع انا نرى ان الاثر المترتب على المخالفه بقي على حاله رغم توبة ادم وانابته الى الله سبحانه وهذ دليل على ان الخروج من الجنه والتعرض للشقاء والتعب كان اثرا طبيعيا لنفس العمل وكان النهي لغاية صيانة ادم عليه السلام عن هذه الاثار والعواقب كما اذا نهى الطبيب المصاب بمرض السكر عن تناول المواد السكرية
2/إن الآيات الواردة في سورة(طه)تكشف النقاب عن نوعية هذا النهي وتصريح بان النهي كان نهيا إرشاديا لصيانة ادم عليه السلام عما يترتب عليه من الآثار المكروهة والعواقب غير المحمودة قال سبحانه(فقلنا يا ادم ان هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجكما من الجنه فتشقى*إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى*وانك لاتظمؤا فيها ولا تضحى)فان قوله سبحانه (فلا يخرجكما من الجنه فتشقى.)صريح في ان اثر امتثال النهي وهو البقاء في الجنه وان اثر المخالفه هو الخروج من الجنه والتعرض للشقاء الذي يتمثل في الحياة التي فيها الجوع والعري
3/انه سبحانه بعدما اكل ادم وزوجته من الشجره وبدت لهما سؤاتهما وطفقا يخصفان علهما من ورق الجنه ناداهما ( الم انهكما عن تلكما الشجره واقل لكما ان الشيطان لكما عدو مبين)فان هذا اللسان لسان الناصح المشفق الذي ارشد خاطبه لمصالحه ومفاسده في الحياة ولكنه خالفه ولم يسمع قوله فعندئذ يعود و يخاطبه بقوله الم اقل لك الم أنهك عن هذا الامر؟
4/انه سبحانه يبين ان وسوسة الشيطان لهما لم يكن الا لإبداء ما وري عنهما من السؤاة حيث يقول (فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سؤاتهما)
وهذا يكشف عن ان ما يترتب على الوسوسه ومخالفة ادم عليه السلام بعدما لم يكن الا لإبداء ما وري عنهما من السؤاه الذي هو اثر طبيعي للعمل من دون ان يكون له اثر اخر من ابتعاده عن لطفه سبحانه وحرمانه عن قربه الذي هو اثر المخالفه للخطابات المولوية
5/انه سبحانه يحكي ان وسوسة الشيطان لهما كانت بصورة النصح والارشاد حيث قال (وقاسمهما اني لكما لمن الناصحين)وهذا يكشف عن ان خطابه سبحانه اليهما كان بصوره النصح ايضا وهذا واضح لمن له أدنى إلمام بأساليب الكلام
*فهذه القرائن وغيرها الموجوده في الايات تدل بوضوح على ان النهي في المقام كان نهي ارشاديا لا مولويا ليبقى ادم عليه السلام بعيدا عن عوامل الشقاء والتعب ولكنه لم يسمع قول ناصحه فعرض نفسه للشقاء وصار مستحقا لان يخاطب بقوله تعالى (قال اهبطو بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر و متاع الى حين)
*اضف الى ذلك إن الظرف الذي تلقى فيه ادم هذا النهي لم يكن ظرف تكليف حتى تعد مخالفته عصيانا لمقتضاه فان ظرف التكليف هو المحيط الذي هبط اليه مع زوجته بعد رفض النصح.
*******************************************
علماً أن هذه الحلقات هي من بحوث أحد طلبة الحوزة العلمية الناطقة الشريفة في مجال علوم عقائد الامامية.