1 ـ قال الشيخ المفيد محمد بن النعمان العكبري (ت 413 هـ) :
«إتفقت الاِمامية على أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشفع يوم القيامة لجماعة من مرتكبي الكبائر من أُمته، وأنّ أمير المؤمنين عليه السلام يشفع في أصحاب الذنوب من شيعته، وأنّ أئمة آل محمد عليهم السلام كذلك، وينجي الله بشفاعتهم كثيراً من الخاطئين» .
وقال في مكان آخر : «ويشفع المؤمن البرّ لصديقه المؤمن المذنب فتنفعه شفاعته ويشفّعه الله . وعلى هذا القول إجماع الاِمامية إلاّ من شذّ
منهم» (1).
2 ـ وقال الشيخ محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 هـ) في تفسيره (التبيان) : «حقيقة الشفاعة عندنا أنْ تكون في إسقاط المضار دون زيادة المنافع، والمؤمنون عندنا يشفع لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيشفّعه الله تعالى ويسقط بها العقاب عن المستحقين من أهل الصراط لما رُوي من قوله عليه السلام : «إدّخرتُ شفاعتي لاَهل الكبائر من أُمتي» .
والشفاعة ثبتت عندنا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وكثير من أصحابه ولجميع الاَئمة المعصومين وكثير من المؤمنين الصالحين...» (2 ).
3 ـ وقال العلاّمة المحقق الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 هـ ) :
«... وهي ثابتة عندنا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولاَصحابه المنتجبين والاَئمة من أهل بيته الطاهرين عليهم السلام ولصالحي المؤمنين وينجّي الله بشفاعتهم كثيراً من الخاطئين..» (3) .
4 ـ ويقول العلاّمة الشيخ محمدباقر المجلسي (ت 1110 هـ) :
«أما الشفاعة فاعلم أنّه لا خلاف فيها بين المسلمين بأنّها من ضروريات الدين وذلك بأنّ الرسول يشفع لاُمته يوم القيامة، بل للاُمم الاُخرى، غير أنّ الخلاف هو في معنى الشفاعة وآثارها، هل هي بمعنى الزيادة في المثوبات أو إسقاط العقوبة عن المذنبين ؟
____________
(1) أوائل المقالات في المذاهب والمختارات، للشيخ المفيد : 29 تحقيق مهدي محقق .
(2) التبيان، للشيخ الطوسي : 213 ـ 214 .
(3) مجمع البيان في تفسير القرآن، للشيخ الطبرسي : 103 .
والشيعة ذهبت إلى أنّ الشفاعة تنفع في إسقاط العقاب وإن كانت ذنوبهم من الكبائر، ويعتقدون بأنّ الشفاعة ليست منحصرة في النبي صلى الله عليه وآله وسلم والاَئمة عليهم السلام من بعده، بل للصالحين أن يشفعوا بعد أن يأذن الله تعالى لهم بذلك...» (1) .
ما تقدم كان نماذج من أقوال علماء الشيعة الاِمامية حول الشفاعة معنىً وحدوداً، أما علماء المذاهب الاِسلامية الاُخرى فقد أقرّوا بالشفاعة والاِيمان بها، وننقل فيما يلي نماذج من آراءهم وأقوالهم .
1 ـ الماتريدي السمرقندي (ت 333 هـ) :
عند تفسيره لقوله تعالى : ( وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ )(2)، وقوله تعالى: (وَلا يَشْفَعُونَ إلاّ لِمَنْ ارْتَضَى.. ) (3).
«إنّ الآية الاُولى وإن كانت تنفي الشفاعة، ولكن هنا شفاعة مقبولة في الاِسلام وهي التي تشير إليها هذه الآية» (4) ويقصد بها الاَية 28 من سو رة الاَنبياء .
2 ـ أبو حفص النسفي (ت 538 هـ) :
يقول في عقائده المعروفة بـ (العقائد النسفية) : «الشفاعة ثابتة للرُسُلِ
____________
(1) بحار الانوار، للشيخ المجلسي 8 : 29 ـ 63 .
(2) البقرة 2 : 48 .
(3) الانبياء 21 : 28 .
(4) تأويلات أهل السُنّة، لابي منصور الماتريدي السمرقندي : 148 .
والاَخيار في حق الكبائر بالمستفيض من الاَخبار» (1 ).
3 ـ ناصر الدين أحمد بن محمد بن المنير الاسكندري المالكي :
يقول في الانتصاف «وأما من جحد الشفاعة فهو جدير أن لا ينالها، وأما من آمن بها وصدّقها وهم أهل السُنّة والجماعة فاُولئك يرجون رحمة الله، ومعتقدهم أنّها تنال العصاة من المؤمنين وإنّما ادُخرّت لهم...» (2 ).
4 ـ القاضي عياض بن موسى (ت 544 هـ) :
«مذهب أهل السُنة هو جواز الشفاعة عقلاً ووجودها سمعاً بصريح الآيات وبخبر الصادق، وقد جاءت الآثار التي بلغت بمجموعها التواتر بصحة الشفاعة في الآخرة لمذنبي المؤمنين، وأجمع السلف الصالح ومن بعدهم من أهل السُنة عليها...» (3 ).
وقد ذهب الكثير من علماء المسلمين إلى حقيّة وجود الشفاعة مما لايسع في هذا البحث الموجز حصره من أقوالهم وآرائهم لضيق المجال .
ويتضح مما تقدم، أنّ الشفاعة ـ واعتماداً على نصوص القرآن الكريم الصريحة والاَحاديث الشريفة المتواترة المنقولة عن النبي الاَكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل البيت عليهم السلام ـ هي من القضايا المقبولة عند أغلب الفرق والمذاهب الاِسلامية، مع وجود من يناقش في معنى الشفاعة،
____________
(1) العقائد النسفية، لابي حفص النسفي : 148 .
(2) الانتصاف فيما تضمّنه الكشاف من الاعتزال، للامام ناصرالدين الاسكندري المالكي المطبوع بهامش الكشاف 1 : 214 .
(3) نقلاً عن : شرح صحيح مسلم، للنووي 3 : 35 .