التربية الروحية واستقامة المسيرة :
ليس من الهين ان تستقيم مسيرة المؤمنين العاملين في سبيل الله على الخط الذي يرتضيه الله تعالى، ويشترعه الاسلام من الناحية الفكرية المفاهيمية، والناحية العملية والسلوكية.
1) - لان الحضارة الجاهلية والمفاهيم الاجتماعية المادية التي كان يعيش في وسطها اصحاب الرسول (ص) تدعوهم الى الانحراف.. بسبب انهم ابناء هذه البيئة التي تعيش هذه المفاهيم الحضارية المادية فمن المعقول ان تؤثر فيهم عن طريق (الوراثة) الفكرية و(الايحاء) الثقافي..
والميل النفسي عند كل انسان الى التوافق الاجتماعي واتخاذ الاخلاء، ولو عن طريق التنازل الفكري والسلوكي.
2) - ولان استعجال النصر.. والنزق واستباق المراحل تدعو هؤلاء المؤمنين الى التنازل عن بعض افكارهم وتليين مواقفهم من اجل أن تجد دعوتهم طريقها الى قلوب الناس، وتتقدم في الجو الاجتماعي، ولو على حساب بعض جوانبها الرسالية.
3) - ولان الاهواء الشخصية هنا، وهناك قد تتجمع وتظهر في صيغ ثقافية لتعمل على حرف المسيرة، وتمييع الشخصية الاسلامية الاصيلة، والارتباط بالله سبحانه وبرسالته..
هذه العوامل وغيرها دواع للانحراف ملازمة لكل عمل اجتماعي في عصر الرسول (ص) أو بعده.. والتربية الروحية شرط ضروري للتعالي على هذه العوامل، والانفلات من تأثيرها لان التربية الروحية تقيم المؤمن في علاقة محكمة مع الله.. يعبده ولا يعبد سواه ويرجوه، ويعمل له لا لغيره.. يتأثر بوحيه، ورسالته، ويقطع صلته (التأثر) بالناس، ويقيم معهم بدل ذلك صلة (التأثير) والتوجيه..
لان الانفصال عن الناس وحضارتهم.. وعن اهواء النفس وشهواتها لا يتم الا من خلال عمل تربوي جاد يبني الانسان فيه نفسه مع الله ويقطعها به عما سواه (يعبده ولا يعبد غيره، ويرجوه ولا يرجو غيره، ويخافه ولا يخاف غيره).. وبكلمة يقطع قلبه وشعوره وكيانه عن كل شيء عدا الله وما امر الله به (ان يوصل) بهذا وحده يمكن ان تستقيم وتثبت على خط الاسلام.
ونكرر.. ليست الاستقامة المطلوبة هينة او يسيره ونزيد هنا.. حتى على رسول الله (ص) نفسه.. ومن هنا ينقل عنه (ص) انه كان يقول (شيبتني هود) اشارة الى قوله تعالى في سورة هود:
(فأستقم كما أمرت)
وفي رواية عن إبن عباس (ما نزل على رسول الله (ص) آية كانت اشد عليه، ولا اشق من هذه الآية ولذلك قال لاصحابه حين قالوا له اسرع اليك الشيب يا رسول الله : شيبتني هود والواقعة)(22).
ولنقرأ هنا مجموعتين من الآيات الكريمة نزلت على رسول الله (ص) من اجل تحصينه - وهو المعصوم - من الحيف، أو الانحراف عن خط الاسلام.. وهما مجموعتان عجيبتان تدعوان للتفكير، والدرس، والتأمل الكثير.. بشكل واضح بين الاستقامة على الخط.. والتربية الروحية..
1)- (فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون الا كما يعبد آباؤهم من قبل، وانا لموفوهم نصيبهم غير منقوص ولقد آتينا موسى الكتاب، فاختلف فيه، ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم، وانهم لفي شك منه مريب. وان كلاً لما ليوفينهم ربك اعمالهم انه بما يعملون خبير،
فإستقم كما أمرت، ومن تاب معك ولا تطغوا انه بما تعملون بصير ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار، وما لكم من دون الله من اولياء ثم لا تنصرون واقم الصلاة طرفي النهار، وزلفاً من الليل، ان الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين، واصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين)(23)
2) - (وان كادوا ليفتنونك عن الذي اوحينا اليك لتفتري علينا غيره واذاً لاتخذوك خليلاً، ولولا ان ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئاً قليلاً، اذاً لاذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا.. اقم الصلاة لدلوك الشمس الى غسق الليل، وقرآن الفجر ان قرآن الفجر كان مشهوداً، ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى ان يبعثك ربك مقاماً محموداً، وقل ربي ادخلني مدخل صدق، واخرجني مخرج صدق، واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً..) (الاسراء 73 - 80)