[u]وقد نصت على ذلك الرواية الأخيرة التي نقلناها عن البحار، وأشبعته إيضاحاً بالرغم من أنه امر واضح في نفسه، فإن كل إيمانهم الذي وصفناه في مركز الإمام المهدي ? ، وكل شجاعتهم التي عرفناها مبذولة في سبيل طاعته حتى أنهم وصفوا بما وصف به المهدي ? نفسه فقيل عنهم: إنهم إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر. وهو ما وصف به المهدي ? كما سيأتي. كما قيل عنهم أنهم لا يكفون سيوفهم حتى يرضى الله تعالى، وهو ما وصف به ? أيضاً كما سيأتي.
وما ذلك، إلا لأن فعلهم وفعله واحد، على تنمط واحد وهدف واحد، كما تقول: فتح الأمير المدينة. وتقول: فتح الجيش المدينة، وأنت صادق في كلتا الجملتين. من حيث أن التعاليم بيد القائد والتطيق بيد الجيش.
وقد نصت رواية البحار على أنهم:
"يتمسحون بسرج الإمام ? يطلبون بذلك البركة، ويحفون به يقونه بأنفسهم في الحروب، ويكفونه ما يريد... هم أطوع له من الأمة لسيدها..." الحديث.
وتمسحهم بسرج الإمام ? ، معنى كنائي عن مدى حب أصحابه له ? وعلاقتهم به... إلى حد يرون أن ملامستهم للشيء الذي لامسته يد الإمام ? يتضمن معنى البركة. وهذا هو الشأن بين الأحباء دائماً. إن ملامستك لثوب من تحبه أو للزهرة التي يمسكها يعطيك زخماً عاطفياً عالياً... ليس فقط ذلك بل يشمل النظر أيضاً وقديماً قال الشاعر: نعم وأرى الهلال كما تراه... فالنظر المشترك إلى الهلال يعطيه الزخم العاطفي المطلوب.
وليس التمسح بالسرج، محمولا على المعنى الحقيقي، إذ قد لا يركب المهدي ? بعد ظهوره فرساً على الإطلاق. وإنما يستعمل وسائط النقل وأسلحة الحرب المناسبة مع عصر ظهوره بطبيعة الحال.
وهم "يحفون به" أي يحيطون به "يقونه بأنفسهم في الحروب" أي يحمونه ويصونونه ويتحملون الموت دونه. وقد كانت الإحاطة المباشرة بالقائد كافية في الحماية من الأسلحة في الحرب القديمة التي كانت معروفة في عصر صدور النص. وأما الآن فلا زالت الإحاطة موجبة للحماية من كثير من الأسلحة والإعتداءات، ويراد بها الإحاطة حال استعمال الأسلحة كركوب الدبابات أو الطائرات، فإذا أحاطوا به براً وبحراً وجواً، كان في ذلك الحماية المطلوبة.
ويحتمل أن يكون المراد من الرواية: أن الوقاية نشاط مستقل يقوم به أصحاب الإمام ? عن الإحاطة به، فهم يحيطون به لأجل الإستفادة من علومه وتعاليمه.
وهم أيضاً يقونه بأنفسهم في الحروب بمعنى أنهم يقدمون أنفسهم فداء بين يديه.
وأما أنهم يكفونه ما يريد، فهو من كفاه الأمر إذا قام به عنه. يقال: كفى فلاناً مؤنته. إذا جعلها كافية له، أي قام بها دونه فإغناه عن القيام بها[].
فالمراد بيان إطاعتهم الكاملة وانقيادهم لتعاليم قائدهم، وتنفيذهم الأمور تحت ظل قيادته. فهم "أطوع له من الأمة لسيدها" كيف لا، مع أنهم يرون به الإمام القائد نحو العدل الكامل والنفع البشري العام.