إن معترك الحياة المعاصرة والتعقيدات المتصاعدة التي تلفُّ حياة الانسان، قد تستدرجه من حيث يعلم او لا يعلم الى (هاوية) الكذب، ظناً منه أنه بهذا الاسلوب يستطيع أن يصل الى أهدافه ومآربه بأقصر الطرق وأسرع الاوقات.
فترى مثل هذا الانسان يجافي الصدق في سلوكه وربما في سجيته ايضا، وغالبا ما يلجأ الى الكذب كوسيلة (أقل جهدا وأسرع زمنا) لتحقيق ما يهدف إليه من منافع غير مشروعة، لكنه سرعان ما يلمس خيباته في هذا المجال حيث يكتشف بنفسه بأن (حبل الكذب قصير) وأن (النجاة في الصدق)
ومع ذلك يحتاج هذ السلوك الى تمرين، بمعنى أن يكون الانسان صادقا في اقواله وافعاله وجميع انشطته، فمثل هذا الامر يحتاج الى تربية وتعليم ومران عملي ونظري لخلق الروح الايمانية الكفيلة بنبذ الكذب والتمسك بمبدأ الصدق كإسلوب حياة دائم لتحقيق ما يصبو إليه الانسان، لأن الكذب المضمور في القلب والكيان الذاتي للانسان لا يمكن اخفاءه مهما كان الانسان متمرنا على الاسلوب الكاذب في تمشية اموره وحياته بصورة عامة.
ولعل القاعدة الاساسية التي يستند فوقها ويرتكز اليها الصدق كسلوك عملي ونظري في حياة الانسان هي الايمان، حيث يتحقق للانسان مستوى روحي كبير يتحقق من خلاله تقارب بل تلاصق بين الايمان والصدق، لدرجة انهما يصبحان كلا واحدا لاانفصام بينهما، فالانسان الذي يتحصل على ايمان حقيقي وعميق سيتحصل بالضرورة على مبدأ الصدق الذي يمارسه في حياته سواء في أقواله او منظومته السلوكية العامة، وعكس ذلك سيخفق الانسان مهما كانت قدراته ومواهبه في الاحتيال او غيره، وسيكون معروفا للجميع ومحط حذر الجميع ايضا بسبب انتهاجه للكذب وفقدانه لسمة الايمان. الإيمان يأمر بالصدق، فالكذب خرابه، بلا مراء، والكذاب تعاكس الأقدار بغيته، إنه يكذب ليكسب عزاً أو مالاً أو.. لكنه لا يلبث حتى يعرف عند الناس بالكذب، فلا يصدق له قول، ولا يوقر له حديث، بل انه يخسر فوق ذلك أحاديثه الصادقة، ووعوده التي ينوي الوفاء بها..
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (ينبغي للرجل المسلم أن يجتنب مؤاخاة الكذاب، فإنه يكذب، حتى يجيء بالصدق، فلا يصدق) ان ما ظهر من كذبه مانع عن تصديق ما يأتي به من الصدق فلا ينتفع بمثل هذا الصديق: إن كذبه كذب، وصدقه مشكوك، فلا حديثه ينفع، ولا كلامه يسمع)