- تفسير الميزان - السيد الطباطبائي ج 7 ص 215 :
1 - قصة ابراهيم عليه السلام في القرآن : كان إبراهيم عليه السلام في طفوليته إلى أوائل تمييزه يعيش في معزل من مجتمع قومه ثم خرج إليهم ولحق بأبيه فوجده وقومه يعبدون الاصنام فلم يرتض منه ومنهم ذلك وقد كانت فطرته طاهرة زاكية مؤيدة من الله سبحانه بالشهود الحق وإراءة ملكوت كل شئ وبالجملة وبالقول الحق والعمل الصالح . فأخذ يحاج أباه في عبادته الاصنام ويدعوه إلى رفضها وتوحيد الله سبحانه واتباعه حتى يهديه إلى مستقيم الصراط ويبعده من ولاية الشيطان ، ولم يزل يحاجه ويلح عليه حتى زبره وطرده عن نفسه وأوعده أن يرجمه إن لم ينته عن ذكر آلهته بسوء والرغبة عنها . فتلطف إبراهيم عليه السلام إرفاقا به وحنانا عليه وقد كان ذا خلق كريم وقول مرضى فسلم عليه ووعده أن يستغفر له ويعتزله وقومه وما يعبدون من دون الله ( مريم : 41 ، 48 ) وقد كان من جانب آخر يحاج القوم في امر الاصنام ( الانبياء : 51 - 56 ، الشعراء : 69 - 77 ، الصافات : 83 - 87 ) ويحاج أقواما آخرين منهم يعبدون الشمس والقمر والكوكب في أمرها حتى ألزمهم الحق وشاع خبره في الانحراف عن الاصنام والالهة ( الانعام : 74 82 ) حتى خرج القوم ذات يوم إلى عبادة جامعة خارج البلد واعتل هو بالسقم فلم يخرج معهم وتخلف عنهم فدخل بيت الاصنام فراغ على آلهتهم ضربا باليمين فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون فلما تراجعوا وعلموا بما حدث بالهتهم وفتشوا عمن ارتكب ذلك قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم . فأحضروه إلى مجمعهم فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون فاستنطقوه فقالوا أأنت فعلت هذا بالهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فأسالوهم إن كانوا ينطقون ، وقد كان أبقى كبير الاصنام ولم يجذه ووضع الفاس على عاتقه أو ما يقرب من ذلك ليشهد الحال على أنه هو الذى كسر سائر الاصنام . وإنما قال عليه السلام ذلك وهو يعلم أنهم لا يصدقونه على ذلك وهم يعلمون أنه جماد لا يقدر على ذلك لكنه قال ما قال ليعقبه بقوله : فاسألوهم إن كانوا ينطقون حتى يعترفوا بصريح القول بأنهم جمادات لا حياة لهم ولا شعور ، ولذلك لما سمعوا قوله رجعوا إلى أنفسهم فقالوا : إنكم إنتم الظالمون ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون قال : أفتعبدون من دون الله ما لا يضركم ولا ينفعكم أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون . قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم فبنوا له بنيانا وأسعروا فيه جحيما من النار وقد تشارك في أمره الناس جميعا وألقوه في الجحيم فجعله الله بردا عليه وسلاما وأبطل كيدهم ( الانبياء : 57 - 70 ، الصافات : 88 - 98 ) وقد أدخل في خلال هذه الاحوال على الملك ، وكان يعبده القوم ويتخذونه ربا فحاج إبراهيم في ربه فقال إبراهيم ربى الذى يحيى ويميت فغالطه الملك وقال : أنا أحيى وأميت كقتل الاسير واطلاقه فحاجه إبراهيم بأصرح ما يقطع مغالطته فقال : إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذى كفر ( البقرة : 258 ) . ثم لما أنجاه الله من النار أخذ يدعو إلى الدين الحنيف دين التوحيد فآمن له شرذمة قليلة وقد سمى الله تعالى منهم لوطا ومنهم زوجته التى هاجر بها وقد كان تزوج بها قبل الخروج من الارض إلى الارض المقدسة. ثم تبرا هو عليه السلام من معه من المؤمنين من قومهم وتبرأ هو من آزر الذى كان يدعوه أبا ولم يكن بوالده الحقيقي وهاجر ومعه زوجته ولوط إلى الارض المقدسة ليدعو الله سبحانه من غير معارض يعارضه من قومه الجفاة الظالمين ( الممتحنة : 4 الانبياء : 71 ) وبشره الله سبحانه هناك بإسماعيل وباسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب وقد شاخ وبلغه كبر السن فولد له اسماعيل ثم ولد له إسحاق وبارك الله سبحانه فيه وفي ولديه وأولادهما . ثم إنه عليه السلام بأمر من ربه ذهب إلى أرض مكة وهى واد غير ذى زرع فأسكن فيه ولده اسماعيل وهو صبى ورجع إلى الارض المقدسة فنشأ إسماعيل هناك واجتمع عليه قوم من العرب القاطنين هناك وبنيت بذلك بلدة مكة . وكان عليه السلام ربما يزور إسماعيل في إرض مكة قبل بناء مكة والبيت وبعد ذلك ( البقرة : 126 ، إبراهيم : 35 - 41 ) ثم بنى بها الكعبة البيت الحرام بمشاركة من إسماعيل وهى أول بيت وضع للناس من جانب الله مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ( البقرة : 127 - 129 ، آل عمران : 96 - 97 ) وأذن في الناس بالحج وشرع نسك الحج ( الحج 26 : 30 ) . ثم أمره الله بذبح ولده إسماعيل عليهما السلام فخرج معه للنسك فلما بلغ معه السعي قال يا بنى إنى أرى في المنام أنى أذبحك قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين نودى أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا وفداه الله سبحانه بذبح عظيم ( الصافات : 101 - 107 ) . وآخر ما قص القرآن الكريم من قصصه عليه السلام أدعيته في بعض أيام حضوره بمكة المنقولة في سورة أبراهيم ( آية 35 - 41 ) وآخر ما ذكر فيها قوله عليه السلام : ( ربنا اغفر لى ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ) .